فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ: يَظُنُّ أَنَّ الشَّفَاعَةَ هِيَ بِسَبَبِ اتِّصَالِ رُوحِ الشَّافِعِ بِرُوحِ الْمَشْفُوعِ لَهُ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ. وَيَقُولُونَ: مَنْ كَانَ أَكْثَرَ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحَقَّ بِالشَّفَاعَةِ مِنْ غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحْسَنَ ظَنًّا بِشَخْصِ وَأَكْثَرَ تَعْظِيمًا لَهُ: كَانَ أَحَقَّ بِشَفَاعَتِهِ. وَهَذَا غَلَطٌ. بَلْ هَذَا هُوَ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا: نَتَوَلَّى الْمَلَائِكَةَ لِيَشْفَعُوا لَنَا. يَظُنُّونَ أَنَّ مَنْ أَحَبَّ أَحَدًا - مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَتَوَلَّاهُ - كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِشَفَاعَتِهِ لَهُ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ. بَلْ الشَّفَاعَةُ: سَبَبُهَا تَوْحِيدُ اللَّهِ وَإِخْلَاصُ الدِّينِ وَالْعِبَادَةِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا لَهُ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْظَمَ إخْلَاصًا كَانَ أَحَقَّ بِالشَّفَاعَةِ كَمَا أَنَّهُ أَحَقُّ بِسَائِرِ أَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ. فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ: مِنْ اللَّهِ مَبْدَؤُهَا وَعَلَى اللَّهِ تَمَامُهَا فَلَا يَشْفَعُ أَحَدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ. وَهُوَ الَّذِي يَأْذَنُ لِلشَّافِعِ. وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ شَفَاعَتَهُ فِي الْمَشْفُوعِ لَهُ. وَإِنَّمَا الشَّفَاعَةُ سَبَبٌ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي بِهَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِهِ. وَأَحَقُّ النَّاسِ بِرَحْمَتِهِ: هُمْ أَهْلُ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَكْمَلَ فِي تَحْقِيقِ إخْلَاصِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " عِلْمًا وَعَقِيدَةً وَعَمَلًا وَبَرَاءَةً وَمُوَالَاةً وَمُعَادَاةً: كَانَ أَحَقَّ بِالرَّحْمَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute