للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّانِي: أَنْ يَفْنَى عَنْ شُهُودِ مَا سِوَى اللَّهِ وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيهِ كَثِيرٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ حَالَ الِاصْطِلَامِ وَالْفَنَاءِ وَالْجَمْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَهَذَا فِيهِ فَضِيلَةٌ مِنْ جِهَةِ إقْبَالِ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ وَفِيهِ نَقْصٌ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ شُهُودِهِ لِلْأَمْرِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إذَا شَهِدَ أَنَّ اللَّهَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَخَالِقُهُ وَأَنَّهُ الْمَعْبُودُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رُسُلِهِ وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَمَعْصِيَةِ رُسُلِهِ فَشَهِدَ حَقَائِقَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ خُلُقًا وَأَمْرًا: كَانَ أَتَمَّ مَعْرِفَةً وَشُهُودًا وَإِيمَانًا وَتَحْقِيقًا مِنْ أَنْ يَفْنَى بِشُهُودِ مَعْنًى عَنْ شُهُودِ مَعْنًى آخَرَ وَشُهُودِ التَّفْرِقَةِ فِي الْجَمْعِ وَالْكَثْرَةِ فِي الْوَحْدَةِ وَهُوَ الشُّهُودُ الصَّحِيحُ الْمُطَابِقُ. لَكِنْ إذَا كَانَ قَدْ وَرَدَ عَلَى الْإِنْسَانِ مَا يَعْجِزُ مَعَهُ عَنْ شُهُودِ هَذَا وَهَذَا كَانَ مَعْذُورًا لِلْعَجْزِ لَا مَحْمُودًا عَلَى النَّقْصِ وَالْجَهْلِ. وَالثَّالِثُ: الْفَنَاءُ عَنْ وُجُودِ السِّوَى؛ وَهُوَ قَوْلُ الْمَلَاحِدَةِ أَهْلِ الْوَحْدَةِ كَصَاحِبِ الْفُصُوصِ وَأَتْبَاعِهِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: وُجُودُ الْخَالِقِ هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ وَمَا ثَمَّ غَيْرٌ وَلَا سِوَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. فَهَؤُلَاءِ قَوْلُهُمْ أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ قَوَّلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَعُبَّادِ الْأَصْنَامِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ وِلَايَةَ اللَّهِ: هِيَ مُوَافَقَتُهُ بِالْمَحَبَّةِ لِمَا يُحِبُّ وَالْبُغْضُ لِمَا يُبْغِضُ وَالرِّضَا بِمَا يَرْضَى وَالسُّخْطُ بِمَا يَسْخَطُ وَالْأَمْرُ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ وَالنَّهْيُ عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ وَالْمُوَالَاةُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْمُعَادَاةُ لِأَعْدَائِهِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ