للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَحَبَّةُ وَالطَّلَبُ إلَى ذَلِكَ الْمَحْبُوبِ الْمَطْلُوبِ؛ إمَّا إلَى وَصْفِهِ وَإِمَّا إلَى مُشَاهَدَتِهِ وَكِلَاهُمَا يَحْصُلُ بِهِ تَخَيُّلٌ فِي النَّفْسِ وَقَدْ يَحْصُلُ التَّخَيُّلُ بِالسَّمَاعِ أَوْ الرُّؤْيَةِ أَوْ الْفِكْرِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ فَإِذَا تَخَيَّلَتْ النَّفْسُ تِلْكَ الْأُمُورَ الْمُتَعَلِّقَةَ انْقَلَبَتْ إلَى مَا تَخَيَّلَتْهُ فَتَحَرَّكَتْ دَاعِيَةُ الْمَحَبَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَحَبَّةً مَحْمُودَةً أَوْ مَذْمُومَةً. وَلِهَذَا تَتَحَرَّكُ النُّفُوسُ إلَى الْحَجِّ إذَا ذُكِرَ الْحِجَازُ أَوْ كَانَ أَوَانُ الْحَجِّ أَوْ رَأَى مَنْ يَذْهَبُ إلَى الْحَجِّ مِنْ أَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ أَوْ أَصْحَابِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ وَيَرَاهُ لَمَا تَحَرَّكَ وَلَا حَدَثَ مِنْهُ دَاعِيَةُ قُوَّتِهِ إلَى ذَلِكَ فَتَتَحَرَّكُ بِذِكْرِ الْأَبْرَقِ وَالْأَجْرَعِ وَالْعَلِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَأَى تِلْكَ الْمَنَازِلَ لَمَّا كَانَ ذَاهِبًا إلَى مَحْبُوبِهِ فَصَارَ ذِكْرُهَا يُذَكِّرُهُ بِالْمَحْبُوبِ. وَكَذَلِكَ أَصْحَابُ الْمَتَاجِرِ وَالْأَمْوَالِ إذَا سَمِعَ أَحَدُهُمْ بِالْمَكَاسِبِ تَحَرَّكَتْ دَاعِيَتُهُ إلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْفُرَجِ وَالتَّنَزُّهِ إذَا رَأَوْا مَنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ تَحَرَّكُوا إلَيْهِ وَهَذِهِ الدَّوَاعِي كُلُّهَا مَرْكُوزَةٌ فِي نُفُوسِ بَنِي آدَمَ وَالْإِنْسَانُ ظَلُومٌ جَهُولٌ. وَكَذَلِكَ ذِكْرُ آثَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُذَكِّرُ بِهِ وَتُحَرِّكُ مَحَبَّتَهُ فَالْمُبْتَلَى بِالْفَاحِشَةِ وَالْعِشْقِ إذَا ذَكَرَ مَا بِهِ لِغَيْرِهِ تَحَرَّكَتْ نَفْسُ ذَلِكَ الْغَيْرِ إلَى جِنْسِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ الصُّوَرِ الْجَمِيلَةِ