قِيلَ لَهُ: الذَّنْبُ الَّذِي يَضُرُّ صَاحِبَهُ هُوَ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَوْبَةٌ فَأَمَّا مَا حَصَلَ مِنْهُ تَوْبَةٌ فَقَدْ يَكُونُ صَاحِبُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَفْضَلَ مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: كَانَ دَاوُد بَعْدَ التَّوْبَةِ أَحْسَنَ مِنْهُ حَالًا قَبْلَ الْخَطِيئَةِ وَلَوْ كَانَتْ التَّوْبَةُ مِنْ الْكُفْرِ وَالْكَبَائِرِ؛ فَإِنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ هُمْ خِيَارُ الْخَلِيقَةِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا صَارُوا كَذَلِكَ بِتَوْبَتِهِمْ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالذُّنُوبِ وَلَمْ يَكُنْ مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ التَّوْبَةِ نَقْصًا وَلَا عَيْبًا؛ بَلْ لَمَّا تَابُوا مِنْ ذَلِكَ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانُوا أَعْظَمَ إيمَانًا وَأَقْوَى عِبَادَةً وَطَاعَةً مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ؛ فَلَمْ يَعْرِفْ الْجَاهِلِيَّةَ كَمَا عَرَفُوهَا. وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً إذَا نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْجَاهِلِيَّةَ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} {إلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {أَنَّ اللَّهَ يُحَاسِبُ عَبْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ صِغَارَ الذُّنُوبِ وَيُخَبِّئُ عَنْهُ كِبَارَهَا فَيَقُولُ: فَعَلْت يَوْمَ كَذَا كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ وَهُوَ مُشْفِقٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute