للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَتَخَيَّلَ صُورَةَ الْمَحْبُوبِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ تَخَيُّلٌ حِسِّيٌّ وَلَيْسَ هَذَا الْمَثَلُ مَنْ جِنْسِ الْحَقِيقَةِ أَصْلًا؛ وَإِنَّمَا لَمَّا كَانَ الْعِلْمُ مُطَابِقًا لِلْمَعْلُومِ وَمُوَافِقًا لَهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لَهُ كَانَ بَيْنَ الْمُطَابِقِ وَالْمُطَابَقِ وَالْمُوَافِقِ وَالْمُوَافَقِ نَوْعُ تَنَاسُبٍ وَتَشَابُهٍ وَنَوْعٌ مَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّمْثِيلِ فَإِنَّ الْمَثَلَ يُضْرَبُ لِلشَّيْءِ لِمُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَهُنَا قَطْعًا اشْتِرَاكٌ مَا وَاشْتِبَاهٌ مَا. وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وَقَوْلِهِ: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أَنَّهُ هَذَا وَفِي حَدِيثٍ مَأْثُورٍ: {مَا وَسِعَنِي أَرْضِي وَلَا سَمَائِي وَوَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ النَّقِيِّ التَّقِيِّ الْوَدَاعِ اللَّيِّنِ} وَيُقَالُ: الْقَلْبُ بَيْتُ الرَّبِّ وَهَذَا هُوَ نَصِيبُ الْعِبَادِ مِنْ رَبِّهِمْ وَحَظُّهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ بِهِ كَمَا جَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَعْلَمَ كَيْفَ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ؟ فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ مَنْزِلَةُ اللَّهِ مِنْ قَلْبِهِ؟ فَإِنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ حَيْثُ أَنْزَلَهُ الْعَبْدُ مِنْ قَلْبِهِ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الموصلي وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الذِّكْرِ وَلِهَذَا قَالَ أَبْنَاءُ يَعْقُوبَ: {نَعْبُدُ إلَهَك وَإِلَهَ آبَائِك إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} فَإِنَّ أُلُوهِيَّةَ اللَّهِ مُتَفَاوِتَةٌ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَى دَرَجَاتٍ عَظِيمَةٍ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ وَيَتَفَاوَتُونَ فِيهَا تَفَاوُتًا لَا يَنْضَبِطُ طَرَفَاهُ حَتَّى قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ {عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ شَخْصَيْنِ: هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ مِثْلِ هَذَا} فَصَارَ وَاحِدٌ