للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" بِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي " بَيْنَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {كُنْت سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَيَدَهُ وَرِجْلَهُ} لَا أَنَّهُ يَكُونُ نَفْسُ الْحَدَقَةِ وَالشَّحْمَةِ وَالْعَصَبِ وَالْقَدَمِ وَإِنَّمَا يَبْقَى هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَالْقُوَى وَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَبْدَ بِحَسَبِ أَعْضَائِهِ وَقُوَاهُ يَكُونُ إدْرَاكُهُ وَحَرَكَتُهُ؛ فَإِذَا كَانَ إدْرَاكُهُ وَحَرَكَتُهُ بِالْحَقِّ؛ لَيْسَ بِمَعْنَى خَلْقِ الْإِدْرَاكِ وَالْحَرَكَةِ فَإِنَّ هَذَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فِيمَنْ يُحِبُّهُ وَفِيمَنْ لَا يُحِبُّهُ وَإِنَّمَا لِلْمَحْبُوبِ الْحَقُّ مِنْ الْحَقِّ مِنْ هَذِهِ الْإِعَانَةِ بِقَدْرِ مَا لَهُ مِنْ الْمَعِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ؛ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: عَبْدِي مَرِضْت فَلَمْ تَعُدْنِي فَيَقُولُ: رَبِّ كَيْفَ أَعُودُك وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ؟ فَلَوْ عُدْته لَوَجَدْتنِي عِنْدَهُ. عَبْدِي جُعْت فَلَمْ تُطْعِمْنِي. فَيَقُولُ: رَبِّ كَيْفَ أُطْعِمُك وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْت أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا جَاعَ؟ فَلَوْ أَطْعَمْته لَوَجَدْت ذَلِكَ عِنْدِي} فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ذَكَرَ الْمَعْنَيَيْنِ الْحَقَّيْنِ وَنَفَى الْمَعْنَيَيْنِ الْبَاطِلَيْنِ وَفَسَّرَهُمَا. فَقَوْلُهُ: " جُعْت وَمَرِضْت " لَفْظُ اتِّحَادٍ يُثْبِتُ الْحَقَّ. وَقَوْلُهُ: {لَوَجَدْتنِي عِنْدَهُ وَوَجَدْت ذَلِكَ عِنْدِي} نَفْيٌ لِلِاتِّحَادِ الْعَيْنِيِّ بِنَفْيِ الْبَاطِلِ وَإِثْبَاتٌ لِتَمْيِيزِ الرَّبِّ عَنْ الْعَبْدِ.