للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْت: هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ - جَعَلَ " الْقَصْدَ " بِمَعْنَى " الْإِرَادَةِ " أَيْ عَلَيْهِ قَصْدُكُمْ لِلسَّبِيلِ فِي ذَهَابِكُمْ وَرُجُوعِكُمْ. وَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ الْآيَةَ. فَإِنَّ " السَّبِيلَ الْقَصْدَ " هِيَ السَّبِيلُ الْعَادِلَةُ أَيْ عَلَيْهِ السَّبِيلُ الْقَصْدُ. و " السَّبِيلُ " اسْمُ جِنْسٍ وَلِهَذَا قَالَ: {وَمِنْهَا جَائِرٌ} . أَيْ عَلَيْهِ الْقَصْدُ مِنْ السَّبِيلِ وَمِنْ السَّبِيلِ جَائِرٌ. فَأَضَافَهُ إلَى اسْمِ الْجِنْسِ إضَافَةَ النَّوْعِ إلَى الْجِنْسِ أَيْ " الْقَصْدُ مِنْ السَّبِيلِ " كَمَا تَقُولُ " ثَوْبُ خَزٍّ ". وَلِهَذَا قَالَ: {وَمِنْهَا جَائِرٌ} . وَأَمَّا مَنْ ظَنَّ أَنَّ التَّقْدِيرَ " قَصْدُكُمْ السَّبِيلَ " فَهَذَا لَا يُطَابِقُ لَفْظَ الْآيَةِ وَنَظْمَهَا مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ. وَابْنُ عَطِيَّةَ لَمْ يَذْكُرْ فِي آيَةِ الْحِجْرِ إلَّا قَوْلَ الْكِسَائِيِّ وَهُوَ أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ وَذَكَرَ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ تَفْسِيرًا لِلْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى. فَذَكَرَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ السَّلَفِ قَرَءُوا {عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} مِنْ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ. قَالَ: وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ إلَى الْإِخْلَاصِ - لَمَّا اسْتَثْنَى إبْلِيسُ مَنْ أَخْلَصَ قَالَ اللَّهُ لَهُ: هَذَا الْإِخْلَاصُ طَرِيقٌ رَفِيعٌ مُسْتَقِيمٌ لَا تَنَالُ أَنْتَ بِإِغْوَائِك أَهْلَهُ. قَالَ: وَقَرَأَ جُمْهُورُ النَّاسِ {عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} . وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ إلَى انْقِسَامِ النَّاسِ إلَى غَاوٍ وَمُخْلِصٍ. لَمَّا قَسَّمَ إبْلِيسُ هَذَيْنِ