مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُ لَمْ يَزَلْ فِي سُخْطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ وَمَنْ قَالَ فِي مُسْلِمٍ مَا لَيْسَ فِيهِ حُبِسَ فِي رَدْغَةِ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ} فَالشَّافِعُ فِي تَعْطِيلِ الْحُدُودِ مُضَادٌّ لِلَّهِ فِي أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى تَعَدِّي الْحُدُودِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَأْخُذَ الْمُؤْمِنَ رَأْفَةٌ بِأَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُجُورِ وَالْمَعَاصِي وَالظُّلْمَةِ. وَجِمَاعُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ قَالَ {أَذِلَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ} وَقَالَ {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} فَإِنَّ هَذِهِ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا مِنْ شُعَبِ الْكُفْرِ وَلَمْ يَكُنْ الْمُسْلِمُ كَافِرًا بِمُجَرَّدِ ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ؛ وَلَكِنَّهُ يَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ} الْحَدِيثُ إلَى آخِرِهِ فَفِيهِمْ مِنْ نَقْصِ الْإِيمَانِ مَا يُوجِبُ زَوَالَ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ بِهِمْ وَاسْتَحَقُّوا بِتِلْكَ الشُّعْبَةِ مِنْ الشِّدَّةِ بِقَدْرِ مَا فِيهَا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ يَرْحَمُ وَيُحِبُّ مِنْ وَجْهٍ وَيُعَذَّبُ وَيُبْغَضُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَيُثَابُ مِنْ وَجْهٍ وَيُعَاقَبُ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَمْرَانِ خِلَافًا لِمَا يَزْعُمُهُ الْخَوَارِجُ وَنَحْوُهُمْ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ الْعَذَابَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ لَا يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ فَأَوْجَبُوا خُلُودَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ. وَقَالَ مَنْ اسْتَحَقَّ الْعَذَابَ: لَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute