للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: {إذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} فَهَذَا بَيَانٌ لِسَبَبِ الْعَذَابِ وَهُوَ تَلَقِّي الْبَاطِلِ بِالْأَلْسِنَةِ وَالْقَوْلِ بِالْأَفْوَاهِ وَهُمَا نَوْعَانِ مُحَرَّمَانِ: الْقَوْلُ بِالْبَاطِلِ وَالْقَوْلُ بِلَا عِلْمٍ. ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ: {لَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} . فَالْأَوَّلُ تَحْضِيضٌ عَلَى الظَّنِّ الْحَسَنِ وَهَذَا نَهْيٌ لَهُمْ عَنْ التَّكَلُّمِ بِالْقَذْفِ. فَفِي الْأَوَّلِ قَوْلُهُ: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ} وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ} وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ مِثْلِ هَذَا الظَّنِّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ: {مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَدْرِيَانِ مِنْ أَمْرِنَا هَذَا شَيْئًا} . فَهَذَا يَقْتَضِي جَوَازَ بَعْضِ الظَّنِّ كَمَا احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِذَلِكَ؛ لَكِنْ مَعَ الْعِلْمِ بِمَا عَلَيْهِ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْإِيمَانِ الْوَازِعِ لَهُ عَنْ فِعْلِ الْفَاحِشَةِ يَجِبُ أَنْ يَظُنَّ بِهِ الْخَيْرَ دُونَ الشَّرِّ. وَفِي الْآيَةِ نَهْيٌ عَنْ تَلَقِّي مِثْلِ هَذَا بِاللِّسَانِ وَنَهْيٌ عَنْ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وَاَللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ فِي فِعْلِ الْفَاحِشَةِ وَالْقَذْفِ مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَعَاصِي؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ فِيهَا الرَّجْمَ وَقَدْ رَجَمَ هُوَ - تَعَالَى - قَوْمَ