للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا الْأَبْصَارُ فَلَا بُدَّ مِنْ فَتْحِهَا وَالنَّظَرِ بِهَا وَقَدْ يَفْجَأُ الْإِنْسَانُ مَا يَنْظُرُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَلَا يُمْكِنُ غَضُّهَا مُطْلَقًا وَلِهَذَا أَمَرَ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالْغَضِّ مِنْهَا كَمَا أَمَرَ لُقْمَانُ ابْنَهُ بِالْغَضِّ مِنْ صَوْتِهِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} الْآيَةَ فَإِنَّهُ مَدَحَهُمْ عَلَى غَضِّ الصَّوْتِ عِنْدَ رَسُولِهِ مُطْلَقًا فَهُمْ مَأْمُورُونَ بِذَلِكَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ يُنْهَوْنَ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا غَضُّ الصَّوْتِ مُطْلَقًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ غَضٌّ خَاصٌّ مَمْدُوحٌ وَيُمْكِنُ الْعَبْدُ أَنْ يَغُضَّ صَوْتَهُ مُطْلَقًا فِي كُلِّ حَالٍ وَلَمْ يُؤْمَرْ الْعَبْدُ بِهِ؛ بَلْ يُؤْمَرُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ فِي مَوَاضِعَ: إمَّا أَمْرُ إيجَابٍ أَوْ اسْتِحْبَابٍ فَلِهَذَا قَالَ: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} فَإِنَّ الْغَضَّ فِي الصَّوْتِ وَالْبَصَرِ جِمَاعُ مَا يَدْخُلُ إلَى الْقَلْبِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ فَبِالسَّمْعِ يَدْخُلُ الْقَلْبُ وَبِالصَّوْتِ يَخْرُجُ مِنْهُ كَمَا جَمَعَ الْعُضْوَيْنِ فِي قَوْلِهِ: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} {وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} فَبِالْعَيْنِ وَالنَّظَرِ يَعْرِفُ الْقَلْبُ الْأُمُورَ وَاللِّسَانُ وَالصَّوْتُ يُخْرِجَانِ مِنْ عِنْدِ الْقَلْبِ الْأُمُورَ هَذَا رَائِدُ الْقَلْبِ وَصَاحِبُ خَبَرِهِ وَجَاسُوسِهِ وَهَذَا تَرْجُمَانُهُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ} وَقَالَ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وَقَالَ: {إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} وَقَالَ فِي آيَةِ الِاسْتِئْذَانِ: