للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَثَبَتَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْصُلْ فِي كُلِّ قَصْدٍ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ وَإِلَّا كَانَ بَاطِلًا وَالْمَقْصُودُ لِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ اللَّهُ كَانَ بَاطِلًا؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ لِنَفْسِهِ هُوَ الْمَعْبُودُ؛ وَمَنْ عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ كَانَ بَاطِلًا وَعِبَادَتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَا فِي عِبَادَتِهِ بَلْ ذَلِكَ ضَرَرٌ مَحْضٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَعْبُودٍ وَهَذَا حَقِيقَةُ الدِّينِ. فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَسَخَّرَ لَهُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ؛ فَمَنْ لَمْ يَسْتَعِنْ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى عِبَادَتِهِ فَعَمَلُهُ كُلُّهُ وَقَصْدُهُ بَاطِلٌ وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ بَلْ فِيهِ الضَّرَرُ. فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ قَصْدٍ وَمَقْصُودٍ سِوَى اللَّهِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ مَقْصُودًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ سِوَى اللَّهِ وَإِنَّمَا الْحَقُّ أَنْ يُقْصَدَ اللَّهُ أَوْ يُقْصَدَ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى قَصْدِ اللَّهِ. وَهَذَا تَحْقِيقُ قَوْلِهِ: " أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ " بِأَحَدِ وَجْهَيْ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَقْصُودًا وَمَطْلُوبًا وَهُوَ أَظْهَرُ وَجْهَيْهِ. الثَّانِي: أَنَّ كُلَّ مَا خَلَا اللَّهَ فَهُوَ مَعْدُومٌ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وُجُودٌ وَلَا حَرَكَةٌ وَلَا عَمَلٌ وَلَا نَفْعٌ لِغَيْرِهِ مِنْهُ إذْ ذَلِكَ جَمِيعُهُ خَلْقُ اللَّهِ وَإِبْدَاعُهُ وَبَرْؤُهُ وَتَصْوِيرُهُ فَكُلُّ الْأَشْيَاءِ إذَا تَخَلَّى عَنْهَا اللَّهُ فَهِيَ بَاطِلٌ يَكْفِي فِي عَدَمِهَا وَبُطْلَانِهَا نَفْسُ تَخَلِّيهِ عَنْهَا وَأَنْ لَا يُقِيمَهَا هُوَ بِخَلْقِهِ وَرِزْقِهِ؛ وَإِذَا كَانَتْ بَاطِلَةً فِي أَنْفُسِهَا - وَالْحَقُّ إنَّمَا هُوَ لِلَّهِ وَبِاَللَّهِ وَمِنْ اللَّهِ - صَدَقَ قَوْلُ الْقَائِلِ: " أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ " بِاعْتِبَارَيْنِ: