وَإِنَّمَا نَازَعَ فِي التَّقْدِيرِ السَّابِقِ وَالْكِتَابِ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَبَرَّأَ مِنْهُمْ الصَّحَابَةُ كَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا. وَذَكَرَ قتادة أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكْرَهْ أَحَدًا عَلَى مَعْصِيَةٍ. وَهَذَا صَحِيحٌ فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُكْرِهُ أَحَدًا عَلَى مَعْصِيَةٍ كَمَا يُكْرِهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمَا لِلْمَخْلُوقِ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِ يُكْرِهُونَهُ بِالْعُقُوبَةِ وَالْوَعِيدِ. بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ يَخْلُقُ إرَادَةَ الْعَبْدِ لِلْعَمَلِ وَقُدْرَتَهُ وَعَمَلَهُ وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قتادة قَدْ يُظَنُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ وَأَنَّهُ لِسَبَبِ مِثْلِ هَذَا اُتُّهِمَ قتادة بِالْقَدَرِ حَتَّى قِيلَ: إنَّ مَالِكًا كَرِهَ لِمَعْمَرٍ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ التَّفْسِيرَ لِكَوْنِهِ اُتُّهِمَ بِالْقَدَرِ. وَهَذَا الْقَوْلُ حَقٌّ وَلَمْ يُعْرَفْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ قَالَ " إنَّ اللَّهَ أَكْرَهَ أَحَدًا عَلَى مَعْصِيَةٍ ". بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ " الْجَبْرِ " مَنَعُوا مِنْ إطْلَاقِهِ كالأوزاعي وَالثَّوْرِيِّ وَالزُّبَيْدِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمْ. نَهَوْا عَنْ أَنْ يُقَالَ " إنَّ اللَّهَ جَبَرَ الْعِبَادَ " وَقَالُوا: إنَّ هَذَا بِدْعَةٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مُفْهِمٌ لِلْمَعْنَى الْفَاسِدِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute