للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنَّمَا وَقَعَ النِّزَاعُ هُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} . فَقَوْلُهُ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلَّا وَجْهَهُ} أَيْ دِينَهُ وَإِرَادَتَهُ وَعِبَادَتَهُ وَالْمَصْدَرُ يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ تَارَةً وَإِلَى الْمَفْعُولِ أُخْرَى وَهُوَ قَوْلُهُمْ: مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} فَكُلُّ مَعْبُودٍ دُونَ اللَّهِ بَاطِلٌ وَكُلُّ مَا لَا يَكُونُ لِوَجْهِهِ فَهُوَ هَالِكٌ فَاسِدٌ بَاطِلٌ وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَفِيهِ الْمَعْنَى الْآخَرُ. فَإِنَّ الْإِلَهِيَّةَ تَسْتَلْزِمُ الرُّبُوبِيَّةَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} . وَفِي هَذَا قَوْلُ آخَرُ يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ الْوَجْهَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: أَسْلَمَ وَجْهَهُ وَأَقِمْ وَجْهَك وَوَجَّهْت وجهي: هُوَ الْوَجْهُ الظَّاهِرُ كَمَا أَنَّهُ كَذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ فِي قَوْلِهِ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} وَفِي قَوْلِهِ: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وَفِي قَوْلِهِ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} وَقَدْ جَاءَ الْوَجْهُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهَا. قَالُوا: لَكِنَّ الْوَجْهَ إذَا وُجِّهَ: تَبِعَهُ سَائِرُ الْإِنْسَانِ وَإِذَا أُسْلِمَ: فَقَدْ أُسْلِمَ سَائِرُ الْإِنْسَانِ وَإِذَا أُقِيمَ فَقَدْ أُقِيمَ سَائِرُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَوَجِّهُ أَوَّلًا مِنْ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ لِلْقَاصِدِ الطَّالِبِ؛ وَلِهَذَا يُذْكَرُ كَثِيرًا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِلْزَامِ لِسَائِرِ صَاحِبِهِ،