بِقَوْلِهِ (تَصْلَى) وَيَكُونُ قَوْلُهُ (خَاشِعَةٌ) صِفَةً لِلْوُجُوهِ قَدْ فَصَلَ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ بِأَجْنَبِيٍّ مُتَعَلِّقٍ بِصِفَةٍ أُخْرَى مُتَأَخِّرَةٍ وَالتَّقْدِيرُ: وُجُوهٌ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ يَوْمَئِذٍ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً. وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ؛ فَالْأَصْلُ إقْرَارُ الْكَلَامِ عَلَى نَظْمِهِ وَتَرْتِيبِهِ تَغْيِيرُ تَرْتِيبِهِ. ثُمَّ إنَّمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ مَعَ الْقَرِينَةِ أَمَّا مَعَ اللَّبْسِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَبِسُ عَلَى الْمُخَاطَبِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ؛ بَلْ الْقَرِينَةُ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَإِرَادَةُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِمِثْلِ هَذَا الْخِطَابِ خِلَافُ الْبَيَانِ وَأَمْرُ الْمُخَاطَبِ بِفَهْمِهِ تَكْلِيفٌ لِمَا لَا يُطَاقُ. " الْوَجْهُ الثَّانِي " أَنَّ اللَّهَ قَدْ ذَكَرَ وُجُوهَ الْأَشْقِيَاءِ وَوُجُوهَ السُّعَدَاءِ فِي السُّورَةِ فَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} {لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا وَصَفَهَا بِالنِّعْمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا فِي الدُّنْيَا؛ إذْ هَذَا لَيْسَ بِمَدْحِ فَالْوَاجِبُ تَشَابُهُ الْكَلَامِ وَتَنَاظُرُ الْقِسْمَيْنِ لَا اخْتِلَافُهُمَا وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْأَشْقِيَاءُ وُصِفَتْ وُجُوهُهُمْ بِحَالِهَا فِي الْآخِرَةِ. " الثَّالِثُ " أَنَّ نَظِيرَ هَذَا التَّقْسِيمِ قَوْلُهُ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute