للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} فَهُنَا ذَكَرَ هَذَا عَلَى إمْكَانِ النَّشْأَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ التُّرَابِ. وَلِهَذَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} فَفِي الْقِيَامَةِ اسْتَدَلَّ بِخَلْقِهِ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ وَفِي الْحَجِّ ذَكَرَ خَلْقَهُ مِنْ تُرَابٍ فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ. وَذِكْرُ أَوَّلِ الْخَلْقِ أَدَلُّ عَلَى إمْكَانِ الْإِعَادَةِ. وَأَمَّا هُنَا فَالْمَقْصُودُ ذِكْرُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخَالِقِ تَعَالَى ابْتِدَاءً فَذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ وَهُوَ مِنْ الْعَلَقَةِ الدَّمُ يَصِيرُ مُضْغَةً وَهُوَ قِطْعَةُ لَحْمٍ كَاللَّحْمِ الَّذِي يُمْضَغُ بِالْفَمِ ثُمَّ تَخَلَّقَ فَتُصُوِّرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} فَإِنَّ الرَّحِمَ قَدْ يَقْذِفُهَا غَيْرَ مُخَلَّقَةٍ. فَبَيَّنَ لِلنَّاسِ مَبْدَأَ خَلْقِهِمْ وَيَرَوْنَ ذَلِكَ بِأَعْيُنِهِمْ. وَهَذَا الدَّلِيلُ وَهُوَ خَلْقُ الْإِنْسَانِ مِنْ عَلَقٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ. فَإِنَّ النَّاسَ هُمْ الْمُسْتَدِلُّونَ وَهُمْ أَنْفُسُهُمْ الدَّلِيلُ وَالْبُرْهَانُ وَالْآيَةُ. فَالْإِنْسَانُ هُوَ الدَّلِيلُ وَهُوَ الْمُسْتَدِلُّ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} وَقَالَ {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} . وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} .