للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ الَّذِينَ سَأَلُوا مُوسَى: هَلْ يَنَامُ رَبُّك؟ فَضَرَبَ اللَّهُ لَهُمْ الْمَثَلَ بالقارورتين لَمَّا أَرِقَ مُوسَى لَيَالِيَ ثُمَّ أَمَرَهُ بِإِمْسَاكِ الْقَارُورَتَيْنِ فَلَمَّا أَمْسَكَهُمَا غَلَبَهُ النَّوْمُ فَتَكَسَّرَتَا. فَبَيَّنَ اللَّهُ لَهُ لَوْ أَخَذَتْهُ سِنَةٌ أَوْ نَوْمٌ لَتَدَكْدَكَ الْعَالَمُ. وَعَلَى رَأْيِ هَؤُلَاءِ لَوْ أَخَذَتْهُ سِنَةٌ أَوْ نَوْمٌ لَمْ يَعْدَمْ الْبَاقِيَ. لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى إحْدَاثِ الْأَعْرَاضِ مُتَوَالِيَةً لِأَنَّ الْعَرْضَ عِنْدَهُ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ. فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَقُولُ: إذْ لَوْ أَخَذَتْهُ سِنَةٌ أَوْ نَوْمٌ لَمْ تَحْدُثْ الْأَعْرَاضُ الَّتِي تَبْقَى بِهَا الْأَجْسَامُ لَا لِأَنَّ الْأَجْسَامَ فِي نَفْسِهَا مُفْتَقِرَةٌ إلَيْهِ فِي حَالِ بَقَائِهَا عِنْدَهُ. وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ: إنَّ الْإِرَادَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْقَدِيمِ وَلَا بِالْبَاقِي. وَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ عِنْدَهُمْ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَاقِي وَلَا الْعَجُزُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَجْزًا عَنْ الْبَاقِي وَالْقَدِيمِ عِنْدَهُمْ. لِأَنَّ الْعَجْزَ عِنْدَهُمْ إنَّمَا يَكُونُ عَجْزًا عَمَّا تَصِحُّ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: عِلَّةُ الِافْتِقَارِ إلَى الْخَالِقِ مُجَرَّدُ الْحُدُوثِ. وَآخَرُونَ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ يَقُولُونَ: هُوَ مُجَرَّدُ الْإِمْكَانِ وَيَدَّعُونَ أَنَّ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ هُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى الصَّانِعِ. فَهَذَا يَدَّعِي أَنَّ الْبَاقِيَ الْمُحْدَثَ لَا يَفْتَقِرُ وَهَذَا يَدَّعِي أَنَّ الْبَاقِيَ الْقَدِيمَ يَفْتَقِرُ. وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ