لَكَانَ هَذَا مِنْ جِنْسِ أَمْرِهِ بِالْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَنَهْيِهِ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. وَأَمَّا إذَا قِيلَ {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} فَهُوَ لَمْ يُكَذِّبْ بِالدِّينِ بَلْ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ بِالدِّينِ وَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ {الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} فَكَيْفَ يُقَالُ لَهُ. {مَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} ؟ فَهَذَا الْقَوْلُ فَاسِدٌ لَفْظًا وَمَعْنًى. وَاللَّفْظُ الَّذِي رَأَيْته مَنْقُولًا بِالْإِسْنَادِ عَنْ قتادة لَيْسَ صَرِيحًا فِيهِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ خِطَابَ الْإِنْسَانِ. فَإِنَّهُ قَالَ {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} قَالَ: " اسْتَيْقِنْ فَقَدْ جَاءَك الْبَيَانُ ". وَكُلُّ إنْسَانٍ مُخَاطَبٌ بِهَذَا. فَإِنْ كَانَ قتادة أَرَادَ هَذَا فَالْمَعْنَى صَحِيحٌ. لَكِنْ هُمْ حَكَوْا عَنْهُ أَنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى هَذَا فَهَذَا الْمَعْنَى بَاطِلٌ. فَلَا يُقَالُ لِلرَّسُولِ " فَأَيُّ شَيْءٍ يَجْعَلُك مُكَذِّبًا بِالدِّينِ؟ " وَإِنْ ارْتَأَتْ بِهِ النَّفْسُ لِأَنَّ هَذَا فِيهِ دَلَائِلُ تَدُلُّ عَلَى فَسَادِهِ. وَلِهَذَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ مُجَاهِدٌ. وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَالْأَخْفَشُ وَغَيْرُهُمَا. وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطبري وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ الْفَرَّاءِ فَقَالَ: إنَّهُ خِطَابٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute