للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَمْ يَخْلُقْهُمَا بَاطِلًا وَأَنَّ ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا. وَقَالَ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} وَقَالَ {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} أَيْ مُهْمَلًا لَا يُؤْمَرُ وَلَا يُنْهَى. وَهَذَا اسْتِفْهَامُ إنْكَارٍ عَلَى مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ عَلَى الرَّبِّ. وَالْجَهْمِيَّة الْمُجْبِرَةُ تُجَوِّزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا تُنَزِّهُهُ عَنْ فِعْلٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَفْعَالِ. وَلَا تَنْعَتُهُ بِلَوَازِمِ كَرَمِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا هُوَ اللَّائِقُ بِذَلِكَ وَلَا يَفْعَلُ مَا يُضَادُّ ذَلِكَ. بَلْ تُجَوِّزُ كُلَّ مَقْدُورٍ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ وَإِنَّمَا يَجْزِمُ بِأَحَدِهِمَا لِأَجْلِ خَبَرٍ سَمْعِيٍّ أَوْ عَادَةٍ مُطَّرِدَةٍ مَعَ تُنَاقِضُهُمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْخَبَرِ أَخْبَارِ الرُّسُلِ وَعَادَاتِ الرَّبِّ. كَمَا بُسِطَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ مِثْلُ الْكَلَامِ عَلَى مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى إرْسَالِ الرُّسُلِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَعَلَى الْمَعَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ الصَّادِرَةِ عَنْ مَشِيئَتِهِ. فَإِنَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ حِكْمَتِهِ وَعَنْ رَحْمَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِهَذَا وَهَذَا لَا يَشَاءُ إلَّا مَشِيئَةً مُتَضَمِّنَةً لِلْحِكْمَةِ وَهُوَ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: {لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا} .