للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَنْ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ الأشجعي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِي قَوْلِهِ {جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} بَيَّنَّاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا. وَالْإِنْسَانُ يُفَرِّقُ بَيْنَ تَكَلُّمِهِ وَتَحَرُّكِهِ فِي نَفْسِهِ وَبَيْنَ تَحْرِيكِهِ لِغَيْرِهِ. وَقَدْ احْتَجَّ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَة وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ بـ " كُنْ ". فَلَوْ كَانَتْ " كُنْ " مَخْلُوقَةً لَزِمَ أَنْ يَكُونَ خَلَقَ مَخْلُوقًا بِمَخْلُوقِ فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ الْبَاطِلُ. وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخْلُقُ إلَّا بـ " كُنْ " فَلَوْ كَانَتْ " كُنْ " مَخْلُوقَةً لَزِمَ أَنْ لَا يَخْلُقَ شَيْئًا. وَهُوَ الدَّوْرُ الْمُمْتَنِعُ. فَإِنَّهُ لَا يَخْلُقُ شَيْئًا حَتَّى يَقُولَ " كُنْ " وَلَا يَقُولُ " كُنْ " حَتَّى يَخْلُقَهَا فَلَا يَخْلُقُ شَيْئًا. وَهَذَا تَسَلْسُلٌ فِي أَصْلِ التَّأْثِيرِ وَالْفِعْلِ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ: لَا يَفْعَلُ حَتَّى يَفْعَلَ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَفْعَلَ؛ وَلَا يَخْلُقُ حَتَّى يَخْلُقَ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَخْلُقَ. وَأَمَّا إذَا قِيلَ: قَالَ " كُنْ " وَقَبْلَ " كُنْ " " كُنْ " وَقَبْلَ " كُنْ " " كُنْ " فَهَذَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعِ. فَإِنَّ هَذَا تَسَلْسُلٌ فِي آحَادِ التَّأْثِيرِ لَا فِي جِنْسِهِ. كَمَا أَنَّهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَقُولُ " كُنْ " بَعْدَ " كُنْ " وَيَخْلُقُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ. فَالْمَخْلُوقَاتُ التَّامَّةُ يَخْلُقُهَا بِخَلْقِهِ وَخَلْقُهُ فِعْلُهُ الْقَائِمُ بِهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ.