للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ. إمَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ يُكْتَمُ شَيْءٌ مِمَّا بَيَّنَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ فَهَذَا مِنْ الْكِتْمَانِ الْمُجَرَّدِ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَهَذِهِ حَالُ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَعَابَ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ. وَقَالَ {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ} . وَهَذِهِ حَالُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي كِتْمَانِ مَا فِي كِتَابِهِمْ مِنْ الْأَلْفَاظِ يَتَأَوَّلُهَا بَعْضُهُمْ وَيَجْعَلُهَا بَعْضُهُمْ مُتَشَابِهًا. وَهِيَ دَلَائِلُ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَإِنَّ أَلْفَاظَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَسَائِرِ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ وَهِيَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ كِتَابًا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يُمْكِنُهُمْ جَحْدُ أَلْفَاظِهَا لَكِنْ يُحَرِّفُونَهَا بِالتَّأْوِيلِ الْبَاطِلِ وَيَكْتُمُونَ مَعَانِيَهَا الصَّحِيحَةَ عَنْ عَامَّتِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلَّا أَمَانِيَّ} . فمن جَعَلَ أَهْلَ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَكُونُوا فِيهِ أُمِّيِّينَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلَّا تِلَاوَةً فَقَدْ أَمَرَهُمْ بِنَظِيرِ مَا ذَمَّ اللَّهُ عَلَيْهِ أَهْلَ الْكِتَابِ. وَصَبِيغُ بْنُ عسيل التَّمِيمِيُّ إنَّمَا ضَرَبَهُ عُمَرُ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِاتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهِ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ. وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَابَهُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ لِأَنَّهُمْ