للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْت: الْبَاءُ قَدْ يَكُونُ لِلْمُصَاحَبَةِ كَمَا تَقُولُ: جَاءَ بِأَسْيَادِهِ وَأَوْلَادِهِ. فَقَدْ أَنْزَلَهُ مُتَضَمِّنًا لِعِلْمِهِ مُسْتَصْحِبًا لِعِلْمِهِ. فَمَا فِيهِ مِنْ الْخَبَرِ هُوَ خَبَرٌ بِعِلْمِ اللَّهِ. وَمَا فِيهِ مِنْ الْأَمْرِ فَهُوَ أَمْرٌ بِعِلْمِ اللَّهِ بِخِلَافِ الْكَلَامِ الْمُنَزَّلِ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ كَذِبًا وَظُلْمًا كَقُرْآنِ مُسَيْلِمَةَ وَقَدْ يَكُونُ صِدْقًا لَكِنَّ إنَّمَا فِيهِ عِلْمُ الْمَخْلُوقِ الَّذِي قَالَهُ فَقَطْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى عِلْمِ اللَّه تَعَالَى إلَّا مِنْ جِهَةِ اللُّزُومِ. وَهُوَ أَنَّ الْحَقَّ يَعْلَمُهُ اللَّهُ. وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِعِلْمِ اللَّهِ ابْتِدَاءً: فَإِنَّمَا أَنْزَلَ بِعِلْمِهِ لَا بِعِلْمِ غَيْرِهِ وَلَا هُوَ كَلَامٌ بِلَا عِلْمٍ. وَإِذَا كَانَ قَدْ أَنْزَلَ بِعِلْمِهِ فَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ اللَّهِ وَيَقْتَضِي أَنَّ الرَّسُولَ رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ الَّذِي بَيَّنَ فِيهِ عِلْمَهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: " الشَّاهِدُ " الْمُبَيِّنُ لِمَا شَهِدَ بِهِ وَاَللَّهُ يُبَيِّنُ ذَلِكَ وَيَعْلَمُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ. (قُلْت: قَوْلُهُ {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ} شَهَادَتُهُ هُوَ بَيَانُهُ وَإِظْهَارُهُ دَلَالَتُهُ وَإِخْبَارُهُ. فَالْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ الَّتِي بَيَّنَ بِهَا صِدْقَ الرَّسُولِ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَمِنْهَا الْقُرْآنُ هُوَ شَهَادَةٌ بِالْقَوْلِ. وَهُوَ فِي نَفْسِهِ آيَةٌ وَمُعْجِزَةٌ تَدُلُّ عَلَى الصِّدْقِ كَمَا تَدُلُّ سَائِرُ الْآيَاتِ وَالْآيَاتُ كُلُّهَا شَهَادَةٌ مِنْ اللَّهِ كَشَهَادَةِ بِالْقَوْلِ وَقَدْ تَكُونُ أَبْلَغَ. وَلِهَذَا ذَكَرَ هَذَا فِي سُورَةِ هُودٍ لَمَّا تَحَدَّاهُمْ بِالْإِتْيَانِ بِالْمِثْلِ فَقَالَ