للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ فِي الِاسْتِقْبَالِ. وَهَذَا خِطَابٌ لِمَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ. قَالَ وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَعَانِي: نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى مَجَارِي خِطَابِهِمْ. وَمِنْ مَذَاهِبِهِمْ التَّكْرَارُ إرَادَةً لِلتَّوْكِيدِ وَالْإِفْهَامِ كَمَا أَنَّ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ الِاخْتِصَارَ لِلتَّخْفِيفِ وَالْإِيجَازِ. قُلْت: وَمِنْ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ الثَّانِي مِنْهُمْ المهدوي وَابْنُ عَطِيَّةَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: {لَا أَعْبُدُ} مُحْتَمِلًا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْآنَ وَيَبْقَى الْمُسْتَأْنِفُ مُنْتَظِرًا مَا يَكُونُ فِيهِ مِنْ عِبَادَتِهِ جَاءَ الْبَيَانُ بِقَوْلِهِ {وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} أَيْ أَبَدًا مَا حَيِيت. ثُمَّ جَاءَ قَوْلُهُ: {وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} الثَّانِي حَتْمًا عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَبَدًا كَاَلَّذِينَ كَشَفَ الْغَيْبَ عَنْهُمْ كَمَا قِيلَ لِنُوحِ {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} أَمَا إنَّ هَذَا فَخِطَابٌ لِمُعَيَّنِينَ وَقَوْمُ نُوحٍ قَدْ عَمُوا بِذَلِكَ. قَالَ: فَهَذَا مَعْنَى التَّرْدِيدِ الَّذِي فِي السُّورَةِ وَهُوَ بَارِعُ الْفَصَاحَةِ. وَلَيْسَ هُوَ بِتَكْرَارِ فَقَطْ بَلْ فِيهِ مَا ذَكَرْته مَعَ الْإِبْلَاغِ وَالتَّوْكِيدِ وَزِيَادَةُ الْأَمْرِ بَيَانًا وَتَبَرِّيًا مِنْهُمْ. قُلْت: هَذَا الْقَوْلُ أَجْوَدُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ جِهَةِ بَيَانِهِمْ لِمَعْنَى