فَالْمَقْصُودُ بِالسُّورَةِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَتَبَرَّأُ مِنْهُمْ وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنْهُ. وَتَبِرِّيهِ مِنْهُمْ إنْشَاءٌ يُنْشِئُهُ كَمَا يُنْشِئُ الْمُتَكَلِّمُ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَهَذَا يَزِيدُ وَيَنْقُصُ. وَيَقْوَى وَيَضْعُفُ. وَأَمَّا هُمْ فَهُوَ يُخْبِرُ بِبَرَاءَتِهِمْ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَا يُنْشِئُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ. فَخِطَابُ الْمُؤْمِنِ عَنْ حَالِهِمْ خَبَرٌ عَنْ حَالِهِمْ وَالْخَبَرُ مُطَابِقٌ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ لَفْظُ خَبَرِهِ عَنْهُمْ إذَا كَانُوا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ عِبَادَتِهِ لِلَّهِ لَا يَعْبُدُونَ مَا يَعْبُدُ. فَهَذَا اللَّفْظُ الْخَبَرِيُّ مُطَابِقٌ لِحَالِهِمْ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ زَادُوا أَوْ نَقَصُوا. وَلَا يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُنْشِئَ زِيَادَةً فِي كُفْرِهِمْ فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ. بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِدُعَائِهِمْ إلَى الْإِيمَانِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْقِصَهُمْ فِي خَبَرِهِ عَمَّا هُمْ مُتَّصِفُونَ بِهِ. فَلَمْ يَكُنْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ حَالِهِمْ زِيَادَةٌ فِيمَا هُمْ عَلَيْهِ وَلَا نَقْصٌ. فَلَمْ يُغَيِّرْ لَفْظَ الْخَبَرِ فِي الْحَالَيْنِ بِلَفْظِ وَاحِدٍ. وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ نَفْسُهُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُنْشِئَ قُوَّةَ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَعِبَادَتَهُ وَحْدَهُ وَالْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ وَعِبَادَتَهُ وَبَرَاءَتَهُ مِنْهُ وَمِنْ عَابِدِيهِ. وَقَوْلُهُ: {لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} وَإِنْ كَانَ لَفْظُهَا خَبَرًا فَفِيهَا مَعْنَى الْإِنْشَاءِ كَسَائِرِ أَلْفَاظٍ الْإِنْشَاءَاتِ كَقَوْلِهِ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " وَقَوْلِهِ {إنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} {إلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} وَقَوْلِهِ {إنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} فَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِيهَا مَعْنَى الْإِنْشَاءِ لَهَا يُنْشِئُهُ الْمُؤْمِنُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute