للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَنَّ كُلَّ مَنْ رَغِبَ عَنْهَا فَقَدْ سَفِهَ نَفْسَهُ. وَفِيهِ مِنْ جِهَةِ الْإِعْرَابِ وَالْمَعْنَى قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ نُحَاةِ الْكُوفَةِ وَاخْتِيَارُ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَكْثَرِ السَّلَفِ أَنَّ النَّفْسَ هِيَ الَّتِي سَفِهَتْ. فَإِنَّ " سَفِهَ " فِعْلٌ لَازِمٌ لَا يَتَعَدَّى لَكِنَّ الْمَعْنَى: إلَّا مَنْ كَانَ سَفِيهًا فَجَعَلَ الْفِعْلَ لَهُ وَنَصَبَ النَّفْسَ عَلَى التَّمْيِيزِ لَا النَّكِرَةِ كَقَوْلِهِ {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} . وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ فَعَرَفُوا هَذَا وَهَذَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: نَصْبُ النَّفْسِ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالتَّفْسِيرِ كَمَا يُقَالُ: ضِقْت بِالْأَمْرِ ذَرْعًا مَعْنَاهُ: ضَاقَ ذَرْعِي بِهِ. وَمِثْلُهُ {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} أَيْ اشْتَعَلَ الشَّيْبَ فِي الرَّأْسِ. قَالَ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ: أَلِمَ فُلَانٌ رَأَسَهُ وَوَجِعَ بَطْنَهُ وَرَشَدَ أَمْرَهُ. وَكَانَ الْأَصْلُ: سَفِهَتْ نَفْسُ زَيْدٍ وَرَشَدَ أَمْرُهُ فَلَمَّا حَوَّلَ الْفِعْلَ إلَى زَيْدٍ انْتَصَبَ مَا بَعْدَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ. فَهَذِهِ شَوَاهِدُ عَرَفَهَا الْفَرَّاءُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: غَبَنَ فُلَانٌ رَأْيَهُ وَبَطِرَ عَيْشَهُ. وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} أَيْ بَطِرَتْ نَفْسُ الْمَعِيشَةِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ يَمَانِ بْنِ رَبَابٍ: حَمِقَ رَأْيُهُ وَنَفَسُهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ السَّائِبِ: ضَلَّ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَقَوْلِ