بِآيَاتِ خَيْرٍ مِنْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَعُودُ إلَى الْجِنْسِ كَمَا إذَا قَالَ الْقَائِلُ: مَا آخُذُ مِنْك دِينَارًا إلَّا أُعْطِيك خَيْرًا مِنْهُ لَا يُعْقَلُ بِالْإِطْلَاقِ إلَّا دِينَارًا خَيْرًا مِنْهُ فَيَتَخَيَّرُ مِنْ الْجِنْسِ أَوَّلًا ثُمَّ النَّفْعِ فَإِمَّا أَنْ يَرْجِعَ ذَلِكَ إلَى ثَوْبٍ أَوْ عَرَضٍ غَيْرِ الدِّينَارِ فَلَا وَفِي آخِرِ الْآيَةِ مَا يَشْهَدُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْقُرْآنَ لِأَنَّهُ قَالَ: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وَوَصْفُهُ لِنَفَسِهِ بِالْقُدْرَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَأْتِي بِهِ هُوَ أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {أَوْ مِثْلِهَا} يَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ يَقْتَضِي إطْلَاقَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَنَّثَهَا تَأْنِيثَ الْآيَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَأْتِ بِآيَةِ خَيْرٍ مِنْهَا أَوْ بِآيَةِ مِثْلِهَا. " قُلْت ": وَأَيْضًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْخَيْرِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ أَخَفَّ عَمَلًا أَوْ أَشَقَّ وَأَكْثَرَ ثَوَابًا لِأَنَّ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ ثَابِتَانِ لِكُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مُبْتَدَأً وَنَاسِخًا فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَيْسَرَ مِنْ غَيْرِهِ فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَشَقَّ فَيَكُونُ ثَوَابُهُ أَكْثَرَ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ لَازِمَةً لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يُقَالَ مَا نَنْسَخُ مِنْ حُكْمٍ نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهُ أَوْ مِثْلِهِ فَإِنَّ الْمَنْسُوخَ أَيْضًا يَكُونُ خَيْرًا وَمَثَلًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَإِنَّهُمْ إنْ فَسَّرُوا الْخَيْرَ بِكَوْنِهِ أَسْهَلَ فَقَدْ يَكُونُ الْمَنْسُوخُ أَسْهَلَ فَيَكُونُ خَيْرًا وَإِنْ فَسَّرُوهُ بِكَوْنِهِ أَعْظَمَ أَجْرًا لِمَشَقَّتِهِ فَقَدْ يَكُونُ الْمَنْسُوخُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ بِخَيْرٍ مِمَّا يَنْسَخُهُ أَوْ مِثْلِهِ فَلَا يَأْتِي بِمَا هُوَ دُونَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute