للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَبِي يَعْلَى وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الزَّاغُونِي وَغَيْرِهِ وَمَذْهَبِ ابْنِ كَرَّامٍ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالتَّصَوُّفِ. وَكَذَلِكَ مَا فَسَّرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ قَوْلِ الْمُفَضَّلِينَ إنَّ الْمُرَادَ كَثْرَةُ الثَّوَابِ فَهَذَا لَا يُنَازَعُ فِيهِ الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُ الْبَاقِلَانِي فَإِنَّ الثَّوَابَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُنَازَعُ أَحَدٌ فِي أَنَّ بَعْضَهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي نَفْسِ كَلَامِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ كَلَامُهُ فَحِكَايَتُهُ النِّزَاعُ يُنَاقِضُ مَا فَسَّرَ بِهِ قَوْلَ الْمُثَبِّتَةِ. وَقَدْ بَيَّنَ مَأْخَذَ الْمُمْتَنِعِينَ عَنْ التَّفْضِيلِ: مِنْهُمْ مِنْ نَفْيِ التَّفَاضُلِ فِي الصِّفَاتِ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَدِيمَ لَا يَتَفَاضَلُ وَالْقُرْآنُ مِنْ الصِّفَاتِ. وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْقُرْآنَ بِأَنَّهُ وَاحِدٌ عَلَى أَصْلِهِ فَلَا يُعْقَلُ فِيهِ مَعْنَيَانِ فَضْلًا أَنْ يُعْقَلَ فِيهِ فَاضِلٌ وَمَفْضُولٌ وَهَذَا أَصْلُ أَبِي الْحَسَنِ وَمَنْ وَافَقَهُ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا أَقْوَالَهُمْ فِي أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ يَكُونُ بَعْضُهُ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ لَيْسَ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ - كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ كالْجَهْمِيَّة وَالْمُعْتَزِلَةِ - بَلْ كُلُّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَوْ تُتُبِّعَ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَكَثَرُوا فَإِنَّ هَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَهْلِ الْبِدْعَةِ أَمَا السَّلَفُ - كَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ - فَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ فِي هَذَا الْأَصْلِ تَنَازُعٌ بَلْ الْآثَارُ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُمْ بِهِ.