مِنْ صِفَاتِهِ. قَالَ هَؤُلَاءِ: صِفَاتُ اللَّهِ كُلُّهَا مُتَوَافِرَةٌ فِي الْكَمَالِ مُتَنَاهِيَةٌ إلَى غَايَةِ التَّمَامِ لَا يَلْحَقُ شَيْئًا مِنْهَا نَقْصٌ بِحَالِ. ثُمَّ لَمَّا اعْتَقَدَ هَؤُلَاءِ أَنَّ التَّفَاضُلَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ مُمْتَنِعٌ ظَنُّوا أَنَّ الْقَوْلَ بِتَفْضِيلِ بَعْضِ كَلَامِهِ عَلَى بَعْضٍ لَا يُمْكِنُ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْجَهْمِيَّة مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ إنَّهُ مَخْلُوقٌ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِتَفْضِيلِ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ عَلَى بَعْضٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ. قَالُوا: وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الَّذِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقَعَ التَّفَاضُلُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ الْقَائِمَةِ بِذَاتِهِ. وَلِأَجْلِ هَذَا الِاعْتِقَادِ صَارَ مَنْ يَعْتَقِدُهُ يَذْكُرُ إجْمَاعَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى امْتِنَاعِ التَّفْضِيلِ فِي الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الدَّرَّاجِ فِي مُصَنَّفٍ صَنَّفَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: " أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ مِمَّا ظَاهِرُهُ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ آيِ الْقُرْآنِ وَسُورِهِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ تَفْضِيلَ ذَوَاتِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ؛ إذْ هُوَ كُلُّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ بَلْ هُوَ كُلُّهُ لِلَّهِ فَاضِلٌ كَسَائِرِ صِفَاتِهِ الْوَاجِبِ لَهَا نَعْتُ الْكَمَالِ ". وَهَذَا النَّقْلُ لِلْإِجْمَاعِ هُوَ بِحَسَبِ مَا ظَنَّهُ لَازِمًا لِأَهْلِ السُّنَّةِ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقِ وَظَنَّ هُوَ أَنَّ الْمُفَاضَلَةَ إنَّمَا تَقَعُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ لَا فِي الصِّفَاتِ قَالَ مَا قَالَ. وَإِلَّا فَلَا يُنْقَلُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ أَنَّهُ أَنْكَرَ فَضْلَ كَلَامِ اللَّهِ بَعْضَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute