فِيهَا أَلْفَاظُهُمْ بِأَعْيَانِهَا بَلْ الْمَنْقُولُ الثَّابِتُ عَنْهُمْ - أَوْ عَنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ تَفَاضُلَ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَكَذَا مَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَوْ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَحْمَد عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ: أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَفْضُلُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَإِنَّمَا مُسْتَنَدُهُمْ أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَّ كَلَامَهُ مِنْ صِفَاتِهِ الْقَائِمَةِ بِنَفْسِهِ لَيْسَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَهَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. ثُمَّ ظَنُّوا أَنَّ التَّفَاضُلَ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْمَخْلُوقِ لَا فِي الصِّفَاتِ وَهَذَا الظَّنُّ لَمْ يَنْقُلُوهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِي وَلَا مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ وَلِهَذَا شَنَّعَ هَؤُلَاءِ عَلَى مَنْ ظَنَّ فَضْلَ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَالْآثَارُ لِظَنِّهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِخِلَافِ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْمُرَابِطِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي رَدِّهِ لِتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ إذَا عَدَلَتْ بِثُلُثِ الْقُرْآنِ أَنَّهَا تَفْضُلُ الرُّبُعَ مِنْهُ وَخُمُسَهُ وَمَا دُونَ الثُّلُثِ فَهُوَ التَّفَاضُلُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَقَالَ: فَهَذَا لَوْلَا عُذْرُ الْجَهَالَةِ لَحُكِمَ عَلَى قَائِلِهِ بِالْكُفْرِ إذْ لَا يَصِحُّ التَّفَاضُلُ إلَّا فِي الْمَخْلُوقَاتِ؛ إذْ صِفَاتُهُ كُلُّهَا فَاضِلَةٌ فِي غَايَةِ الْفَضِيلَةِ وَنِهَايَةِ الْعُلُوِّ وَالْكَرَامَةِ فَمَنْ تَنَقَّصَ شَيْئًا مِنْهَا عَنْ سَائِرِهَا فَقَدْ أَلْحَدَ فِيهَا أَلَا تَسْمَعُهُ مَنَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute