للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَدْ سَبَقَهُ غَيْرُهُ وَالْقَدِيمُ لَا يَسْبِقُهُ غَيْرُهُ وَالصَّوْتُ الْمُعَيَّنُ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ فَكَيْفَ يَكُونُ قَدِيمًا فَقَالَ بِأَنَّ الْقَدِيمَ هُوَ الْمَعْنَى ثُمَّ جَعَلَ الْمَعْنَى وَاحِدًا لَا يَتَعَدَّدُ وَلَا يَتَبَعَّضُ لِامْتِنَاعِ اخْتِصَاصِهِ بِعَدَدِ مُعَيَّنٍ وَامْتِنَاعِ مَعَانٍ لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَجَعَلَ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ. فَلَمَّا شَاعَ قَوْلُهُ وَعَرَفَ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ فَسَادَهُ شَرْعًا وَعَقْلًا قَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى - مِمَّنْ وَافَقَتْهُ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ - إنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَعَلَى الْأَصْلِ الَّذِي أَحْدَثَهُ مِنْ الْقَوْلِ بِقِدَمِ الْقُرْآنِ -: إنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ الْحُرُوفِ الْمُتَعَاقِبَةِ وَالْأَصْوَاتِ الْمُؤَلَّفَةِ. فَصَارَ قَوْلُ هَؤُلَاءِ مُرَكَّبًا مِنْ قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَوْلِ الْكُلَّابِيَة فَإِذَا نَاظَرُوا الْمُعْتَزِلَةَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ نَاظَرُوهُمْ بِطَرِيقَةِ ابْنِ كُلَّابٍ وَإِذَا نَاظَرَهُمْ الْكُلَّابِيَة عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي يَقْرَأهُ الْمُسْلِمُونَ كَلَامُ اللَّهِ نَاظَرُوهُمْ بِحُجَجِ الْمُعْتَزِلَةِ. وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ كَمَا بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا قَالَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَلَا أَصْحَابُهُمْ الَّذِينَ أَدْرَكُوهُمْ وَإِنَّمَا قَالَهُ - مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَيْهِمْ - بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ تَلَقَّوْهَا عَمَّنْ قَالَهَا مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ خِبْرَةٌ لَا بِأَقْوَالِ السَّلَفِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْعَقْلُ الصَّرِيحُ