اللُّغُوبُ الْإِعْيَاءُ وَالتَّعَبُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} الْإِدْرَاكُ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَكْثَرِينَ هُوَ الْإِحَاطَةُ. وَقَالَ طَائِفَةٌ هُوَ الرُّؤْيَةُ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ عَنْهُ لَا مَدْحَ فِيهِ فَإِنَّ الْعَدَمَ لَا يَرَى. وَكُلُّ وَصْفٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْوُجُودُ وَالْعَدَمُ لَا يَسْتَلْزِمُ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا فَلَا يَكُونُ فِيهِ مَدْحٌ إذْ هُوَ عَدَمٌ مَحْضٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قِيلَ لَا يُحَاطُ بِهِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ. وَإِنَّ الْعِبَادَ مَعَ رُؤْيَتِهِمْ لَهُ لَا يُحِيطُونَ بِهِ رُؤْيَةً كَمَا أَنَّهُمْ مَعَ مَعْرِفَتِهِ لَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا وَكَمَا أَنَّهُمْ مَعَ مَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ لَا يُحِيطُونَ ثَنَاءً عَلَيْهِ؛ بَلْ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ. وَلِهَذَا قَالَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَعْلَمُهُمْ: {لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك} وَهَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى كَوْنِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَبَيَانِ أَنَّ الصَّوَابَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنْ يُقَالَ: قَوْلُ الْقَائِلِ " مَعْرِفَةُ أَفْعَالِهِ " إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَعْرِفَةَ آيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ فَهَذِهِ مِنْ تَمَامِ مَعْرِفَتِهِ وَيَبْقَى مَعْرِفَةُ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ وَقِصَصُ الْأُمَمِ الْمُؤْمِنَةِ وَالْكَافِرَةِ لَمْ يَذْكُرْهُ وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ مَعَانِي الْقُرْآنِ كَمَا لَمْ يَذْكُرْ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ. وَإِنْ جَعَلَ هَذِهِ مِنْ مَفْعُولَاتِهِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْقَصَصِ الْمَطْلُوبِ فِيهَا الْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَزَاءِ الْأَعْمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute