للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ} مَا أَرَاك تَفْهَمُ وَجْهَ ذَلِكَ فَتَارَةً تَقُولُ: ذَكَرَ هَذَا التَّرْغِيبَ فِي التِّلَاوَةِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى بِهِ التَّقْدِيرَ وَحَاشَا مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ عَنْ ذَلِكَ. وَتَارَةً تَقُولُ: هَذَا بَعِيدٌ عَنْ الْفَهْمِ وَالتَّأْوِيلِ فَإِنَّ آيَاتِ الْقُرْآنِ تَزِيدُ عَلَى سِتَّةِ آلَافِ آيَةٍ فَهَذَا الْقَدْرُ كَيْفَ يَكُونُ ثُلُثَهَا؟ وَهَذَا لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِك بِحَقَائِقِ الْقُرْآنِ وَنَظَرِك إلَى ظَاهِرِ أَلْفَاظِهِ فَتَظُنُّ أَنَّهَا تَعْظُمُ وَتَكْثُرُ بِطُولِ الْأَلْفَاظِ وَتَقْصُرُ بِقِصَرِهَا. وَذَلِكَ كَظَنِّ مَنْ يُؤْثِرُ الدَّرَاهِمَ الْكَثِيرَةَ عَلَى الْجَوْهَرَةِ الْوَاحِدَةِ نَظَرًا إلَى كَثْرَتِهَا. فَاعْلَمْ أَنَّ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ قَطْعًا وَتَرْجِعُ إلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي مُهِمَّاتِ الْقُرْآنِ وَهِيَ: مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَمَعْرِفَةُ الْآخِرَةِ وَمَعْرِفَةُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. فَهَذِهِ الْمَعَارِفُ الثَّلَاثَةُ هِيَ الْمُهِمَّةُ وَالْبَاقِي تَوَابِعُ. وَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ تَشْتَمِلُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ وَهِيَ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَتَقْدِيسُهُ وَتَوْحِيدُهُ عَنْ مُشَارِكٍ فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِنَفْيِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَالْكُفْءِ. وَالْوَصْفِ بِالصَّمَدِ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ السَّيِّدُ الَّذِي لَا يُقْصَدُ فِي الْوُجُودِ لِلْحَوَائِجِ سِوَاهُ. نَعَمْ لَيْسَ فِيهَا حَدِيثُ الْآخِرَةِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. فَلِذَلِكَ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ. أَيْ ثُلُثَ الْأُصُولِ مِنْ الْقُرْآنِ كَمَا قَالَ: {الْحَجُّ عَرَفَةَ} أَيْ هُوَ الْأَصْلُ وَالْبَاقِي تَبَعٌ.

قُلْت آيَاتُ الْقُرْآنِ نَوْعَانِ: عِلْمِيَّةٌ وَعَمَلِيَّةٌ وَفِي الْآيَاتِ مَا يَجْمَعُ الْأَمْرَيْنِ. وَأَبُو حَامِدٍ جَمَعَ الْعِلْمِيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ دُونَ مَا يَتَعَلَّقُ