وَقَوْلُهُ تَعَالَى لِمَا ذَكَرَ قِصَّةَ قَوْمِ لُوطٍ: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} {إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} وَالْمُتَوَسِّمُ: الْمُسْتَدِلُّ بِالسِّمَةِ وَالسِّيمَا وَهِيَ الْعَلَامَةُ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} . فَمَعْرِفَةُ الْمُنَافِقِينَ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ثَابِتَةٌ مَقْسَمٌ عَلَيْهَا لَكِنَّ هَذَا يَكُونُ إذَا تَكَلَّمُوا وَأَمَّا مَعْرِفَتُهُمْ بِالسِّيمَا فَمَوْقُوفٌ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَخْفَى. وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} } قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ قُتَيْبَةَ لِلْمُتَفَرَّسِينَ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُقَالُ تَوَسَّمْت فِي فُلَانٍ الْخَيْرَ أَيْ تَبَيَّنْته وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمُتَوَسِّمُونَ فِي اللُّغَةِ النُّظَّارُ الْمُثْبِتُونَ فِي نَظَرِهِمْ حَتَّى يَعْرِفُوا حَقِيقَةَ سِمَةِ الشَّيْءِ يُقَالُ تَوَسَّمْت فِي فُلَانٍ كَذَا أَيْ عَرَفْت وَقَوْلُهُ " الْمُثْبِتُونَ فِي نَظَرِهِمْ " أَيْ فِي نَظَرِ أَعْيُنِهِمْ حَتَّى يَعْرِفُوا السِّيمَا بِخِلَافِ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} . وَقَالَ الضَّحَّاكُ: النَّاظِرُونَ وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمُنْتَقِدُونَ وَقَالَ قتادة: الْمُعْتَبِرُونَ. وَكُلُّ هَذَا صَحِيحٌ فَإِنَّ الْمُتَوَسِّمَ يَجْمَعُ هَذَا كُلَّهُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ أَصْحَابِ الْأَيْكَةِ. ثُمَّ قَالَ: {وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ} أَيْ بِطَرِيقِ مُتَبَيِّنٍ لِلنَّاسِ وَاضِحٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute