للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَخْلُوقَةٌ وَهِيَ نِعْمَتُهُ. وَيَقُولُونَ: هُوَ يَرْضَى وَيَغْضَبُ وَالرِّضَا وَالْغَضَبُ لَا يَقُومُ بِهِ؛ بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ وَهُوَ ثَوَابُهُ وَعِقَابُهُ وَيَقُولُونَ: هُوَ مُتَكَلِّمٌ وَيَتَكَلَّمُ وَالْكَلَامُ لَا يَقُومُ بِهِ بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ. وَقَدْ يَقُولُونَ: هُوَ مُرِيدٌ وَيُرِيدُ ثُمَّ قَدْ يَقُولُونَ لَيْسَتْ الْإِرَادَةُ شَيْئًا مَوْجُودًا وَقَدْ يَقُولُونَ: إنَّهَا هِيَ الْمَخْلُوقَاتُ وَالْأَمْرُ الْمَخْلُوقُ. وَقَدْ يَقُولُونَ أَحْدَثَ إرَادَةً لَا فِي مَحَلٍّ. وَهَذَا الْأَصْلُ الْبَاطِلُ الَّذِي أَصَّلَهُ نفاة الصِّفَاتِ الْجَهْمِيَّة الْمَحْضَةُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ هُوَ الَّذِي فَارَقَهُمْ بِهِ جَمِيعُ الْمُثَبِّتَةِ لِلصِّفَاتِ: مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَأَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ وَالتَّفْسِيرِ وَأَصْنَافِ نُظَّارِ الْمُثَبِّتَةِ: كالْكُلَّابِيَة وَمَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ الْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وكالهشامية والكَرَّامِيَة وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَوَائِفِ النُّظَّارِ الْمُثَبِّتَةِ لِلصِّفَاتِ وَعَلَى هَذَا أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ الْمَشْهُورُونَ بِالْإِمَامَةِ وَأَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ. فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الْكَلَامَ يَقَعُ حَقِيقَةً عَلَى الْعِبَارَةِ وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ مَخْلُوقَةٌ يُنَاقِضُ الْأَصْلَ الْفَارِقَ بَيْنَ الْمُثَبِّتَةِ وَالْمُعَطِّلَةِ إلَّا أَنْ يُسَمَّى مُتَعَلَّقُ الصِّفَةِ بِاسْمِ الصِّفَةِ كَمَا يُسَمَّى الْمَأْمُورُ بِهِ أَمْرًا وَالْمَرْحُومُ بِهِ رَحْمَةً وَالْمَخْلُوقُ خَلْقًا وَالْقَدَرُ قُدْرَةً وَالْمَعْلُومُ عِلْمًا؛ لَكِنْ يُقَالُ لَهُ: هَذَا كُلُّهُ لَيْسَ هُوَ الْحَقِيقَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ.