فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ فِي صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ. أَنْ تُفَارِقَ الصِّفَةُ مَحِلَّهَا وَتَنْتَقِلَ إلَى غَيْرِ مَحِلِّهَا فَكَيْفَ بِصِفَاتِ الْخَالِقِ جَلَّ جَلَالُهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي كَلَامِ الْمَخْلُوقِينَ: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إنْ يَقُولُونَ إلَّا كَذِبًا} وَتِلْكَ الْكَلِمَةُ هِيَ قَائِمَةٌ بِالْمُتَكَلِّمِ وَسُمِعَتْ مِنْهُ لَيْسَ خُرُوجُهَا مِنْ فِيهِ أَنَّ مَا قَامَ بِذَاتِهِ مِنْ الْكَلَامِ فَارَقَ ذَاتَه وَانْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ فَخُرُوجُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ وَمِنْ شَأْنِ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ إذَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْعَالِمِ وَالْمُتَكَلِّمِ أَنْ لَا يَنْقُصَ مِنْ مَحَلِّهِ وَلِهَذَا شُبِّهَ بِالنُّورِ الَّذِي يَقْتَبِسُ مِنْهُ كُلُّ أَحَدٍ الضَّوْءَ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَنْقُصْ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: الصَّمَدُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ كَلَامٌ صَحِيحٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُفَارِقُهُ شَيْءٌ مِنْهُ. وَلِهَذَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يَلِدَ وَأَنْ يُولَدَ وَذَلِكَ أَنَّ الْوِلَادَةَ وَالتَّوَلُّدَ وَكُلَّ مَا يَكُونُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ أَصْلَيْنِ وَمَا كَانَ مِنْ الْمُتَوَلِّدِ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مَادَّةٍ تَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا كَانَ عَرَضًا قَائِمًا بِغَيْرِهِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ يَقُومُ بِهِ فَالْأَوَّلُ نَفَاهُ بِقَوْلِهِ: (أَحَدٌ فَإِنَّ الْأَحَدَ هُوَ الَّذِي لَا كُفُؤَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ لَا صَاحِبَةَ وَالتَّوَلُّدُ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ قَالَ تَعَالَى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فَنَفَى سُبْحَانَهُ الْوَلَدَ بِامْتِنَاعِ لَازِمِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يَدُلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute