وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِي أَدِلَّةَ " إثْبَاتِ الصَّانِعِ " ذَكَرَ أَرْبَعَةَ طُرُقٍ: إمْكَانُ الذَّوَاتِ وَحُدُوثُهَا وَإِمْكَانُ الصِّفَاتِ وَحُدُوثُهَا وَالطُّرُقُ الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ ضَعِيفَةٌ؛ بَلْ بَاطِلَةٌ؛ فَإِنَّ الذَّوَاتَ الَّتِي ادَّعَوْا حُدُوثَهَا أَوْ إمْكَانَهَا أَوْ إمْكَانَ صِفَاتِهَا ذَكَرُوهَا بِأَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ لَا يَتَمَيَّزُ فِيهَا الْخَالِقُ عَنْ الْمَخْلُوقِ وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَى مَا ادَّعَوْهُ دَلِيلًا صَحِيحًا. وَأَمَّا " الطَّرِيقُ الرَّابِعُ " وَهُوَ الْحُدُوثُ لِمَا يُعْلَمُ حُدُوثُهُ فَهُوَ طَرِيقٌ صَحِيحٌ وَهُوَ طَرِيقُ الْقُرْآنِ لَكِنْ قَصَّرُوا فِيهِ غَايَةَ التَّقْصِيرِ؛ فَإِنَّهُمْ عَلَى أَصْلِهِمْ لَمْ يَشْهَدُوا حُدُوثَ شَيْءٍ مِنْ الذَّوَاتِ بَلْ حُدُوثُ الصِّفَاتِ وَطَرِيقَةُ الْقُرْآنِ تُبَيِّنُ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ مَخْلُوق وَأَنَّهُ آيَةٌ لِلَّهِ وَقَدْ بَسَّطَ الْكَلَام عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ الْبَرَاهِينِ وَالْآيَاتِ الَّتِي لَمْ يَصِلُ إلَيْهَا هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمَةُ وَالْمُتَفَلْسِفَة وَإِنَّ كُلَّ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ حَقِّ فَهُوَ جُزْءٌ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمَّا كَانَ هَذَا أَصْلَهُمْ فِي ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ وَهُوَ الْقَوْلُ بِإِثْبَاتِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ - كَانَ أَصْلُهُمْ فِي الْمَعَادِ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ فَصَارُوا عَلَى قَوْلَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ تُعْدَمُ الْجَوَاهِرُ ثُمَّ تُعَادُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تَتَفَرَّقُ الْأَجْزَاءُ ثُمَّ تَجْتَمِعُ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِمْ الْإِنْسَانُ الَّذِي يَأْكُلُهُ حَيَوَانٌ وَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute