السَّلَفُ وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ مِنْ أَنَّ الْأَجْسَامَ تَنْقَلِبُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ إنَّمَا يَذْكُرُهُ عَنْ الْفَلَاسِفَةِ وَالْأَطِبَّاءِ؛ وَهَذَا الْقَوْلُ - وَهُوَ الْقَوْلُ فِي خَلْقِ اللَّهِ لِلْأَجْسَامِ الَّتِي يُشَاهِدُ حُدُوثَهَا أَنَّهُ يُقَلِّبُهَا وَيُحِيلُهَا مِنْ جِسْمٍ إلَى جِسْمٍ - هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْفُقَهَاءُ قَاطِبَةً وَالْجُمْهُورُ. وَلِهَذَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ فِي النَّجَاسَةِ هَلْ تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ أَمْ لَا؟ كَمَا تَسْتَحِيلُ الْعَذِرَةُ رَمَادًا وَالْخِنْزِيرُ وَغَيْرُهُ مِلْحًا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَالْمَنِيُّ الَّذِي فِي الرَّحِمِ يَقْلِبُهُ اللَّهُ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً وَكَذَلِكَ الثَّمَرُ يُخْلَقُ بِقَلْبِ الْمَادَّةِ الَّتِي يُخْرِجُهَا مِنْ الشَّجَرَةِ مِنْ الرُّطُوبَةِ مَعَ الْهَوَاءِ وَالْمَاءِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوَادِّ الَّتِي يَقْلِبُهَا ثَمَرَةً بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَكَذَلِكَ الْحَبَّةُ يَفْلِقُهَا وَتَنْقَلِبُ الْمَوَادُّ الَّتِي يَخْلُقُهَا مِنْهَا سُنْبُلَةً وَشَجَرَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ وَهَكَذَا خَلْقُهُ لِمَا يَخْلُقُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. كَمَا خَلَقَ آدَمَ مِنْ الطِّينِ فَقَلَبَ حَقِيقَةَ الطِّينِ فَجَعَلَهَا عَظْمًا وَلَحْمًا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَجْزَاءِ الْبَدَنِ وَكَذَلِكَ الْمُضْغَةُ يَقْلِبُهَا عِظَامًا وَغَيْرَ عِظَامٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} {ثُمَّ إنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} {ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} . وَكَذَلِكَ النَّارُ يَخْلُقُهَا بِقَلْبِ بَعْضِ أَجْزَاءِ الزِّنَادِ نَارًا كَمَا قَالَ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute