للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذَا وَبَيْنَ مَا فِي الدُّنْيَا تَشَابُهٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَمَعَ هَذَا فَحَقِيقَةُ ذَلِكَ مُخَالِفَةٌ لِحَقِيقَةِ هَذَا وَتِلْكَ الْحَقِيقَةُ لَا نَعْلَمُهَا نَحْنُ فِي الدُّنْيَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ {يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْدَدْت لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ} فَهَذَا الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَعْلَمُهُ نَفْسٌ هُوَ مِنْ التَّأْوِيلِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَكَذَلِكَ وَقْتُ السَّاعَةِ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ وَأَشْرَاطُهَا وَكَذَلِكَ كَيْفِيَّاتُ مَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ الْحِسَابِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ وَالْحَوْضِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ لَا يَعْلَمُ كَيْفِيَّتَهُ إلَّا اللَّهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ حَتَّى تَعْلَمَهُ الْمَلَائِكَةُ وَلَا لَهُ نَظِيرٌ مُطَابِقٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى يُعْلَمَ بِهِ فَهُوَ مِنْ تَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ. وَكَذَلِكَ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّبُّ عَنْ نَفْسِهِ مِثْلَ اسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَكَلَامِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ كَيْفِيَّاتِ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُهَا إلَّا اللَّهُ كَمَا قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ: تَلَقَّوْا هَذَا الْكَلَامَ عَنْهُمَا بِالْقَبُولِ لَمَّا قِيلَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَقَالَ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ. هَذَا لَفْظُ مَالِكٍ. فَأَخْبَرَ أَنَّ الِاسْتِوَاءَ مَعْلُومٌ وَهَذَا تَفْسِيرُ اللَّفْظِ وَأَخْبَرَ أَنَّ الْكَيْفَ مَجْهُولٌ وَهَذَا هُوَ الْكَيْفِيَّةُ الَّتِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهَا.