وَقَوْلُ الزمخشري وَغَيْرِهِ: اسْتَوَى عَلَى كَذَا بِمَعْنَى مَلَكَ " دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ. فَلَيْسَ لَهَا شَاهِدٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَلَوْ قُدِّرَ ذَلِكَ لَكَانَ هَذَا الْمَعْنَى بَاطِلًا فِي اسْتِوَاءِ اللَّهِ عَلَى الْعَرْشِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْعَرْشَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْل خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مِنْ حِينِ خَلَقَ الْعَرْشَ مَالِكٌ لَهُ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَكُونُ الِاسْتِوَاءُ عَلَيْهِ مُؤَخَّرًا عَنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَأَيْضًا فَهُوَ مَالِكٌ لِكُلِّ شَيْءٍ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ فَلَا يُخَصُّ الْعَرْشُ بِالِاسْتِوَاءِ وَلَيْسَ هَذَا كَتَخْصِيصِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ فِي قَوْلِهِ {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} فَإِنَّهُ قَدْ يُخَصُّ لِعَظَمَتِهِ وَلَكِنْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ فَيُقَالُ: رَبِّ الْعَرْشِ وَرَبِّ كُلِّ شَيْءٍ وَأَمَّا الِاسْتِوَاءُ فَمُخْتَصٌّ بِالْعَرْشِ فَلَا يُقَالُ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَلَا اسْتَعْمَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يُوجَدُ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ كَمَا اُسْتُعْمِلَ لَفْظُ الرُّبُوبِيَّةِ فِي الْعَرْشِ خَاصَّةً وَفِي كُلِّ شَيْءٍ عَامَّةً وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْخَلْقِ وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَخُصُّ وَتَعُمُّ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} فَالِاسْتِوَاءُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْعَرْشِ لَا تُضَافُ إلَى غَيْرِهِ لَا خُصُوصًا وَلَا عُمُومًا وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَإِنَّمَا الْغَرَضُ بَيَانُ صَوَابِ كَلَامِ السَّلَفِ فِي قَوْلِهِمْ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute