أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} وَكَانَ أَهْلُ قُبَاء مَعَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ. تَعَلَّمُوا ذَلِكَ مِنْ جِيرَانِهِمْ الْيَهُودِ وَلَمْ تَكُنْ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَاكَ هُوَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى دُونَ مَسْجِدِهِ فَذَكَرَ أَنَّ مَسْجِدَهُ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُؤَسَّسَ عَلَى التَّقْوَى فَقَوْلُهُ: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} يَتَنَاوَلُ مَسْجِدَهُ وَمَسْجِدَ قُبَاء وَيَتَنَاوَلُ كُلَّ مَسْجِدٍ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى بِخِلَافِ مَسَاجِدِ الضِّرَارِ. وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ الصَّلَاةَ فِيمَا يُشْبِهُ ذَلِكَ وَيَرَوْنَ الْعَتِيقَ أَفْضَلَ مِنْ الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّ الْعَتِيقَ أَبْعَدُ عَنْ أَنْ يَكُونَ بُنِيَ ضِرَارًا مِنْ الْجَدِيدِ الَّذِي يَخَافُ ذَلِكَ فِيهِ وَعِتْقُ الْمَسْجِدِ مِمَّا يُحْمَدُ بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَقَالَ: {إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} فَإِنَّ قِدَمَهُ يَقْتَضِي كَثْرَةَ الْعِبَادَةِ فِيهِ أَيْضًا وَذَلِكَ يَقْتَضِي زِيَادَةَ فَضْلِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَحِبَّ عُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا قَصْدُ شَيْءٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَالْمَزَارَاتِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا بَعْدَ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلَّا مَسْجِدَ قُبَاء؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْصِدْ مَسْجِدًا بِعَيْنِهِ يَذْهَبُ إلَيْهِ إلَّا هُوَ. وَقَدْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ مَسَاجِدُ كَثِيرَةٌ لِكُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مَسْجِدٌ لَكِنْ لَيْسَ فِي قَصْدِهِ دُونَ أَمْثَالِهِ فَضِيلَةٌ بِخِلَافِ مَسْجِدِ قُبَاء فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَسْجِدٍ بُنِيَ بِالْمَدِينَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute