الْأَمْصَارِ يُصَلُّونَ ثُمَّ يَنْحَرُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَفَاضَ مِنْ مِنًى نَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ هَلْ التَّحْصِيبُ سُنَّةٌ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي قَصْدِهِ هَلْ قَصَدَ النُّزُولَ بِهِ أَوْ نَزَلَ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ. وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَقَاصِدَ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً عِنْدَهُمْ فِي الْمُتَابَعَةِ. وَلَمَّا اعْتَمَرَ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَكَانَتْ مَكَّةُ مَعَ الْمُشْرِكِينَ لَمْ تُفْتَحْ بَعْدُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ قَالُوا: يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ وَقَعَدَ الْمُشْرِكُونَ خَلْفَ قعيقعان وَهُوَ جَبَلُ الْمَرْوَةِ يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُرْمِلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ الطَّوَافِ لِيَرَى الْمُشْرِكُونَ جَلَدَهُمْ وَقُوَّتَهُمْ وَرُوِيَ أَنَّهُ دَعَا لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُرْمِلُوا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ بِالرَّمَلِ إذْ ذَاكَ مِنْ جِنْسِ الْمَقْصُودِ بِالْجِهَادِ. فَظَنَّ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النُّسُكِ لِأَنَّهُ فُعِلَ لِقَصْدٍ وَزَالَ؛ لَكِنْ ثَبَتَ {فِي الصَّحِيح أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَمَّا حَجُّوا رَمَلُوا مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَكَمَّلُوا الرَّمَلَ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ} وَهَذَا قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا فَعَلُوهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ وَفِعْلُ ذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مَعَ الْأَمْنِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ لَمْ يَحُجَّ مَعَهُ إلَّا مُؤْمِنٌ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الرَّمَلَ صَارَ مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ فُعِلَ أَوَّلًا لِمَقْصُودِ الْجِهَادِ ثُمَّ شُرِعَ نُسُكًا كَمَا رُوِيَ فِي سَعْيِ هَاجَرَ وَفِي رَمْيِ الْجِمَارِ وَفِي ذَبْحِ الْكَبْشِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute