للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيُّ مَعْنًى لِلِاسْتِعَاذَةِ مِنْ وَسْوَسَةِ الْجِنِّ فَقَطْ مَعَ أَنَّ وَسْوَسَةَ نَفْسِهِ وَشَيَاطِينِ الْإِنْسِ هِيَ مِمَّا تَضُرُّهُ وَقَدْ تَكُونُ أَضَرَّ عَلَيْهِ مِنْ وَسْوَسَةِ الْجِنِّ. وَأَمَّا قَوْلُ الْفَرَّاءِ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ: الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَأَنَّهُ سَمَّى الْجِنَّ نَاسًا كَمَا سَمَّاهُمْ رِجَالًا وَسَمَّاهُمْ نَفَرًا فَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ لَفْظَ النَّاسِ أَشْهَرُ وَأَظْهَرُ وَأَعْرَفُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى تَنْوِيعِهِ إلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَفْظَ النَّاسِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَأَيْضًا فَكَوْنُهُ يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الطَّائِفَتَيْنِ صِفَةُ تَوْضِيحٍ وَبَيَانٍ وَلَيْسَ وَسْوَسَةُ الْجِنِّ مَعْرُوفَةً عِنْدَ النَّاسِ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا بِخَبَرِ وَلَا خَبَرَ هُنَا ثُمَّ قَدْ قَالَ: {مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} فَكَيْفَ يَكُونُ لَفْظُ النَّاسِ عَامًّا لِلْجِنَّةِ وَالنَّاسِ وَكَيْفَ يَكُونُ قَسِيمُ الشَّيْءِ قِسْمًا مِنْهُ فَهُوَ يَجْعَلُ النَّاسَ قَسِيمَ الْجِنِّ وَيَجْعَلُ الْجِنَّ نَوْعًا مِنْ النَّاسِ وَهَذَا كَمَا يَقُولُ: أَكْرَمُ الْعَرَبِ مِنْ الْعَجَمِ وَالْعَرَبِ فَهَلْ يَقُولُ هَذَا أَحَدٌ وَإِذَا سَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى رِجَالًا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ نَاسًا وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ يُقَالُ جَاءَ نَاسٌ مِنْ الْجِنِّ فَذَاكَ مَعَ التَّقْيِيدِ كَمَا يُقَالُ إنْسَانٌ مِنْ طِينٍ وَمَاءٍ دَافِقٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَدْخُلُوا فِي لَفْظِ النَّاسِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ