للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلِهَذَا شَرَعَ عِنْدَ الْكُسُوفِ الصَّلَاةَ الطَّوِيلَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْعَتَاقَةَ وَالدُّعَاءَ لِدَفْعِ الْعَذَابِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ سَائِرِ الْآيَاتِ الَّتِي هِيَ إنْشَاءُ الْعَذَابِ كَالزَّلْزَلَةِ وَظُهُورِ الْكَوَاكِبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهُوَ أَقْرَبُ الْكَوَاكِبِ الَّتِي لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْأَرْضِ بِالتَّرْطِيبِ وَالْيُبْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلِهَذَا كَانَ الطَّالِبُونَ لِلْمَنْفَعَةِ وَالْمَضَرَّةِ مِنْ الْكَوَاكِبِ إنَّمَا يَأْخُذُونَ الْأَحْدَاثَ بِحَسَبِ سَيْرِ الْقَمَرِ فَإِذَا كَانَ فِي شَرَفِهِ كَالسَّرَطَانِ كَانَ الْوَقْتُ عِنْدَهُمْ سَعِيدًا وَإِذَا كَانَ فِي الْعَقْرَبِ وَهُوَ هُبُوطُهُ كَانَ نَحْسًا فَهَذَا فِي عِلْمِهِمْ وَكَذَلِكَ فِي عَمَلِهِمْ مِنْ السِّحْرِ وَغَيْرِهِ: الْقَمَرُ أَقْرَبُ الْمُؤَثِّرَاتِ حَتَّى صَنَّفُوا " مُصْحَفَ الْقَمَرِ " لِعِبَادَتِهِ وَتَسْبِيحِهِ فَوَقَعَ تَرْتِيبُ الْمُسْتَعَاذِ مِنْهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى كَمَالِ التَّرْتِيبِ انْتِقَالًا مِنْ الْأَعَمِّ الْأَعْلَى الْأَبْعَدِ إلَى الْأَخَصِّ الْأَقْرَبِ الْأَسْفَلِ فَجُعِلَتْ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ. الْأَوَّلُ: مِنْ شَرِّ الْمَخْلُوقَاتِ عُمُومًا وَقَوْلُ الْحَسَنِ: إنَّهُ إبْلِيسُ وَذُرِّيَّتُهُ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّهُ جَهَنَّمُ: ذُكِرَ لِلشَّرِّ الَّذِي هُوَ لَنَا شَرٌّ مَحْضٌ مِنْ الْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَامِ. وَالثَّانِي: شَرُّ الْغَاسِقِ إذَا وَقَبَ فَدَخَلَ فِيهِ مَا يُؤَثِّرُ مِنْ الْعَلَوِيَّاتِ فِي السُّفْلَيَاتِ مِنْ اللَّيْلِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْكَوَاكِبِ كَالثُّرَيَّا وَسُلْطَانِهِ الَّذِي هُوَ الْقَمَرُ وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ سِحْرُ التمرسحات (١) الَّذِي هُوَ أَعْلَى السِّحْرِ وَأَرْفَعُهُ.


(١) كذا بالأصل
قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص ١٤١):
و (الترمسحات) تصحيف صوابه (التمزيجات)، وقد ذكره الشيخ رحمه الله في (الاقتضاء) ٢/ ٦٩٦ فقال: (وجميع الأمور التي يظن أن لها تأثيرا في العالم وهي محرمة في الشرع، كالتمريجات (١) الفلكية. . .).
ومما يدل على هذا أن ابن القيم رحمه الله ذكرها أيضا بهذا اللفظ، وفسرها بما يقطع الشك، فقال في (إعلام الموقعين) ٣/ ٣٤٤: (وكلما كانت النفس اخبث كان سحرها اقوى وكذلك سحر التمزيجات وهو أقوى ما يكون من السحر أن يمزج بين القوى النفسانية الخبيثة الفعالة والقوى الطبيعية المنفعلة.

(١) أثبت محقق الاقتضاء في الأصل (التمريجات) بالراء، وذكر في الحاشية أنه قد جاء في نسختين بلفظ (التمزيجات) بالزاي، ورجح أن تكون بالراء، والصواب أنها (التمزيجات) كما سيأتي إن شاء الله تعالى.