وَأَمَّا عَدَدُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّوَاتُرُ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ لَهُ عَدَدًا مَحْصُورًا ثُمَّ يُفَرِّقُ هَؤُلَاءِ فَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَقِيلَ: اثْنَا عَشَرَ وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ وَقِيلَ: سَبْعُونَ وَقِيلَ: ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بَاطِلَةٌ لِتَكَافُئِهَا فِي الدَّعْوَى. وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّ التَّوَاتُرَ لَيْسَ لَهُ عَدَدٌ مَحْصُورٌ وَالْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِخَبَرِ مِنْ الْأَخْبَارِ يَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ ضَرُورَةً كَمَا يَحْصُلُ الشِّبَعُ عَقِيبَ الْأَكْلِ وَالرِّيِّ عِنْدَ الشُّرْبِ وَلَيْسَ لَمَّا يَشْبَعُ كُلُّ وَاحِدٍ وَيَرْوِيه قَدْرٌ مُعَيَّنٌ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ الشِّبَعُ لِكَثْرَةِ الطَّعَامِ وَقَدْ يَكُونُ لِجَوْدَتِهِ كَاللَّحْمِ وَقَدْ يَكُونُ لِاسْتِغْنَاءِ الْآكِلِ بِقَلِيلِهِ؛ وَقَدْ يَكُونُ لِاشْتِغَالِ نَفْسِهِ بِفَرَحِ أَوْ غَضَبٍ؛ أَوْ حُزْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. كَذَلِكَ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ عَقِيبَ الْخَبَرِ تَارَةً يَكُونُ لِكَثْرَةِ الْمُخْبِرِينَ وَإِذَا كَثُرُوا فَقَدْ يُفِيدُ خَبَرُهُمْ الْعِلْمَ وَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا. وَتَارَةً يَكُونُ لِدِينِهِمْ وَضَبْطِهِمْ. فَرُبَّ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ يَحْصُلُ مِنْ الْعِلْمِ بِخَبَرِهِمْ مَا لَا يَحْصُلُ بِعَشَرَةِ وَعِشْرِينَ لَا يُوثَقُ بِدِينِهِمْ وَضَبْطِهِمْ وَتَارَةً قَدْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِكَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْمُخْبِرِينَ أَخْبَرَ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْآخَرُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَاطَآ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْعَادَةِ الِاتِّفَاقُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِثْلَ مَنْ يَرْوِي حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ فُصُولٌ وَيَرْوِيه آخَرُ لَمْ يَلْقَهُ. وَتَارَةً يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالْخَبَرِ لِمَنْ عِنْدُهُ الْفِطْنَةُ وَالذَّكَاءُ وَالْعِلْمُ بِأَحْوَالِ الْمُخْبِرِينَ وَبِمَا أَخْبَرُوا بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute