وَبِالْجُمْلَةِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ مِنْ السَّلَفِ: لَا يَخَافُ أَنْ يُظْلَمَ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُ غَيْرِهِ وَلَا يُهْضَمَ فَيُنْقَصَ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الظُّلْمُ هُوَ شَيْءٌ مُمْتَنِعٌ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ لَا يَخَافُ مَا هُوَ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ خَارِجٌ عَنْ الْمُمْكِنَاتِ وَالْمَقْدُورَاتِ؛ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُهُ مُمْكِنًا حَتَّى يَقُولُوا: أَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ وَلَوْ أَرَادَهُ كَخَلْقِ الْمِثْلِ لَهُ فَكَيْفَ يُعْقَلُ وُجُودُهُ؟ فَضْلًا أَنْ يُتَصَوَّرَ خَوْفُهُ حَتَّى يَنْفِيَ خَوْفَهُ ثُمَّ أَيُّ فَائِدَةٍ فِي نَفْيِ خَوْفِ هَذَا؟ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ أَنَّ هَذَا الْعَامِلَ الْمُحْسِنَ لَا يُجْزَى عَلَى إحْسَانِهِ بِالظُّلْمِ وَالْهَضْمِ. فَعُلِمَ أَنَّ الظُّلْمَ وَالْهَضْمَ الْمَنْفِيَّ يَتَعَلَّقُ بِالْجَزَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَجْزِيهِ إلَّا بِعَمَلِهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الصَّوَابُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ: أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ فِي الْآخِرَةِ إلَّا مَنْ أَذْنَبَ؛ كَمَا قَالَ: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} فَلَوْ دَخَلَهَا أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ أَتْبَاعِهِ لَمْ تَمْتَلِئْ مِنْهُمْ؛ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ تَحَاجِّ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ: " {إنَّ النَّارَ لَا تَمْتَلِئُ مِمَّنْ كَانَ أُلْقِيَ فِيهَا حَتَّى يَنْزَوِيَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَتَقُولَ قَطْ قَطْ بَعْدَ قَوْلِهَا: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَيَبْقَى فِيهَا فَضْلٌ عَمَّنْ يَدْخُلُهَا مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا فَيُنْشِئُ اللَّهُ لَهَا خَلْقًا آخَرَ} ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute