للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَهُوَ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا اسْتِوَاءً يَخُصُّهُ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِوَاءً يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ وَلَا يَصْلُحُ لَهُ - كَمَا لَمْ يَذْكُرْ فِي عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَرُؤْيَتِهِ وَسَمْعِهِ وَخَلْقِهِ إلَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ - فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَوْ سَقَطَ الْعَرْشُ لَخَرَّ مَنْ عَلَيْهِ؟ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا هَلْ هَذَا إلَّا جَهْلٌ مَحْضٌ وَضَلَالٌ مِمَّنْ فَهِمَ ذَلِكَ وَتَوَهَّمَهُ أَوْ ظَنَّهُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ وَمَدْلُولَهُ أَوْ جَوَّزَ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ الْغَنِيِّ عَنْ الْخَلْقِ؟ بَلْ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ جَاهِلًا فَهِمَ مِثْلَ هَذَا وَتَوَهَّمَهُ لَبُيِّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ وَأَنَّهُ لَمْ يَدُلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ أَصْلًا كَمَا لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَظَائِرِهِ فِي سَائِرِ مَا وَصَفَ بِهِ الرَّبُّ نَفْسَهُ. فَلَمَّا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} فَهَلْ يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ بِنَاءَهُ مِثْلُ بِنَاءِ الْآدَمِيِّ الْمُحْتَاجِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى زِنْبِيلٍ وَمَجَارِفَ وَضَرْبِ لَبِنٍ وَجَبَلِ طِينٍ وَأَعْوَانٍ؟ ثُمَّ قَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْعَالَمَ بَعْضَهُ فَوْقَ بَعْضٍ وَلَمْ يَجْعَلْ عَالِيَهُ مُفْتَقِرًا إلَى سَافِلِهِ فَالْهَوَاءُ فَوْقَ الْأَرْضِ وَلَيْسَ مُفْتَقِرًا إلَى أَنْ تَحْمِلَهُ الْأَرْضُ وَالسَّحَابُ أَيْضًا فَوْقَ الْأَرْضِ وَلَيْسَ مُفْتَقِرًا إلَى أَنْ تَحْمِلَهُ وَالسَّمَوَاتُ فَوْقَ الْأَرْضِ وَلَيْسَتْ مُفْتَقِرَةً إلَى حَمْلِ الْأَرْضِ لَهَا؛ فَالْعَلِيُّ الْأَعْلَى رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ