للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَإِنَّمَا نُشِيرُ إلَى النُّكَتِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ الْقَوْلُ الْمُتَوَسِّطُ وَهُوَ: أَنَّ الظُّلْمَ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ مِثْلَ: أَنْ يَتْرُكَ حَسَنَاتِ الْمُحْسِنِ فَلَا يَجْزِيهِ بِهَا؛ وَيُعَاقِبَ الْبَرِيءَ عَلَى مَا لَمْ يَفْعَلْ مِنْ السَّيِّئَاتِ؛ وَيُعَاقِبَ هَذَا بِذَنْبِ غَيْرِهِ؛ أَوْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ الْقِسْطِ؛ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي يُنَزَّهُ الرَّبُّ عَنْهَا لِقِسْطِهِ وَعَدْلِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ الْحَمْدَ وَالثَّنَاءَ لِأَنَّهُ تَرَكَ هَذَا الظُّلْمَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ. وَكَمَا أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ فَهُوَ أَيْضًا مُنَزَّهٌ عَنْ أَفْعَالِ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ. وَعَلَى قَوْلِ الْفَرِيقِ الثَّانِي مَا ثَمَّ فَعَلَ يَجِبُ تَنْزِيهُ اللَّهِ عَنْهُ أَصْلًا وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَلَكِنَّ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ الْإِثْبَاتِ لَمَّا نَاظَرُوا مُتَكَلِّمَةَ النَّفْيِ أَلْزَمُوهُمْ لَوَازِمَ لَمْ يَنْفَصِلُوا عَنْهَا إلَّا بِمُقَابَلَةِ الْبَاطِلِ بِالْبَاطِلِ وَهَذَا مِمَّا عَابَهُ الْأَئِمَّةُ وَذَمُّوهُ كَمَا عَابَ الأوزاعي وَالزُّبَيْدِيُّ وَالثَّوْرِيّ وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمْ مُقَابَلَةَ الْقَدَرِيَّةِ بِالْغُلُوِّ فِي الْإِثْبَاتِ وَأَمَرُوا بِالِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكَمَا عَابُوا أَيْضًا عَلَى مَنْ قَابَلَ الْجَهْمِيَّة نفاة الصِّفَاتِ بِالْغُلُوِّ فِي الْإِثْبَاتِ حَتَّى دَخَلَ فِي تَمْثِيلِ الْخَالِقِ بِالْمَخْلُوقِ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا وَهَذَا وَذَكَرْنَا كَلَامَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى " مَسْأَلَةِ تَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ " فَمَنْ قَالَ: الْعَقْلُ يُعْلَمُ بِهِ حُسْنُ الْأَفْعَالِ وَقُبْحُهَا فَإِنَّهُ يُنَزِّهُ الرَّبَّ عَنْ بَعْضِ