وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ إذَا خَلَقَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ فَذَلِكَ مِنْ جِنْسِ خَلْقِهِ لِصِفَاتِهِمْ فَهُمْ الْمَوْصُوفُونَ بِذَلِكَ فَهُوَ سُبْحَانَهُ إذَا جَعَلَ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ أَسْوَدَ وَبَعْضَهَا أَبْيَضَ أَوْ طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا أَوْ مُتَحَرِّكًا أَوْ سَاكِنًا أَوْ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ قَادِرًا أَوْ عَاجِزًا أَوْ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا أَوْ سَعِيدًا أَوْ شَقِيًّا أَوْ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا: كَانَ ذَلِكَ الْمَخْلُوقُ هُوَ الْمَوْصُوفَ بِأَنَّهُ الْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَالطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ وَالْحَيُّ وَالْمَيِّتُ وَالظَّالِمُ وَالْمَظْلُومُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُوصَفُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا إحْدَاثُهُ لِلْفِعْلِ الَّذِي هُوَ ظُلْمٌ مِنْ شَخْصٍ وَظُلْمٌ لِآخَرَ بِمَنْزِلَةِ إحْدَاثِهِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ الَّذِي هُوَ أَكْلٌ مِنْ شَخْصٍ وَأَكْلٌ لِآخَرَ وَلَيْسَ هُوَ بِذَلِكَ آكِلًا وَلَا مَأْكُولًا. وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ. وَإِنْ كَانَ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لَازِمِهَا وَمُتَعَدِّيهَا حِكَمٌ بَالِغَةٌ كَمَا لَهُ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فِي خَلْقِ صِفَاتِهِمْ وَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ؛ لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَفْصِيلِ ذَلِكَ. وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَدْلِيسُ الْقَدَرِيَّةِ. وَأَمَّا تِلْكَ الْحُدُودُ الَّتِي عُورِضُوا بِهَا فَهِيَ دَعَاوٍ وَمُخَالِفَةٌ أَيْضًا لِلْمَعْلُومِ مِنْ الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ وَالْعَقْلِ أَوْ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْإِجْمَالِ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: الظَّالِمُ مَنْ قَامَ بِهِ الظُّلْمُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِهِ لَكِنْ يُقَالُ لَهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا لَهُ آمِرًا لَهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute