شَيْءٌ بِتَعَلُّمِ الْعِبَادِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ نِسْبَةَ عِلْمِي وَعِلْمِك إلَى عِلْمِ اللَّهِ كَنِسْبَةِ مَا عَلِقَ بِمِنْقَارِ الْعُصْفُورِ إلَى الْبَحْرِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ كَوْنُ الْعِلْمِ يُورَثُ كَقَوْلِهِ: {الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ} وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} وَمِنْهُ تَوْرِيثُ الْكِتَابِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ النَّقْصِ وَنَحْوِهِ تُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ الْأَوَّلُ ثَابِتًا. كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لقتادة وَقَدْ أَقَامَ عِنْدَهُ أُسْبُوعًا سَأَلَهُ فِيهِ مَسَائِلَ عَظِيمَةً حَتَّى عَجِبَ مِنْ حِفْظِهِ وَقَالَ: نَزَفْتنِي يَا أَعْمَى وَإِنْزَافُ الْقَلِيبِ وَنَحْوُهُ هُوَ رَفْعُ مَا فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ قتادة لَوْ تَعَلَّمَ جَمِيعَ عِلْمِ سَعِيدٍ لَمْ يَزُلْ عِلْمُهُ مِنْ قَلْبِهِ كَمَا يَزُولُ الْمَاءُ مِنْ الْقَلِيبِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: التَّعْلِيمُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْكَلَامِ وَالْكَلَامُ يَحْتَاجُ إلَى حَرَكَةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَكُونُ بِالْمَحَلِّ وَيَزُولُ عَنْهُ؛ وَلِهَذَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إنْ يَقُولُونَ إلَّا كَذِبًا} . وَيُقَالُ: قَدْ أَخْرَجَ الْعَالِمُ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يُخَرِّجْ هَذَا فَإِذَا كَانَ تَعْلِيمُ الْعِلْمِ بِالْكَلَامِ الْمُسْتَلْزَمِ زَوَالَ بَعْضِ مَا يَقُومُ بِالْمَحَلِّ وَهَذَا نَزِيفٌ وَخُرُوجٌ: كَانَ كَلَامُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَلَى حَقِيقَتِهِ. وَمَضْمُونُهُ: أَنَّهُ فِي تِلْكَ السَّبْعِ اللَّيَالِي مِنْ كَثْرَةِ مَا أَجَابَهُ وَكَلَّمَهُ فَارَقَهُ أُمُورٌ قَامَتْ بِهِ مِنْ حَرَكَاتٍ وَأَصْوَاتٍ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute