وَمِنْ هَذَا: الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِي وَغَيْرُهُمَا عَنْ عبادة بْنِ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " {أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ: اُكْتُبْ قَالَ: وَمَا أَكْتُبُ. قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} " فَهَذَا الْقَلَمُ خَلَقَهُ لِمَا أَمَرَهُ بِالتَّقْدِيرِ الْمَكْتُوبِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ وَكَانَ مَخْلُوقًا قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ أَوَّلُ مَا خُلِقَ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ وَخَلَقَهُ بَعْدَ الْعَرْشِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ كَمَا ذَكَرْتُ أَقْوَالَ السَّلَفِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا: بَيَانُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الْكِتَاب وَالسُّنَّةِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي وُجُوهٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَ أَهْلِ الْيَمَنِ: " {جِئْنَاك لِنَسْأَلَك عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ} " إمَّا أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ الْمُشَارُ إلَيْهِ هَذَا الْعَالَمُ أَوْ جِنْسُ الْمَخْلُوقَاتِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْأَوَّلَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَابَهُمْ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ عَنْ أَوَّلِ خَلْقِهِ هَذَا الْعَالَمِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَجَابَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَوَّلَ الْخَلْقِ مُطْلَقًا؛ بَلْ قَالَ: " {كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ} " فَلَمْ يَذْكُرْ إلَّا خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute