وَكَذَلِكَ إذَا قِيلَ: كَلَامُهُ كُلُّهُ قَدِيمُ الْعَيْنِ وَهُوَ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ قَدِيمَةٌ لَازِمَةٌ لِذَاتِهِ لَيْسَ لَهُ فِيهِ قُدْرَةٌ وَلَا مَشِيئَةٌ. كَانَ هَذَا مَعَ مَا يَظْهَرُ مِنْ تَنَاقُضِهِ وَفَسَادِهِ فِي الْمَعْقُولِ لَا كَمَالَ فِيهِ إذْ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَلَا قُدْرَتِهِ وَلَا إذَا شَاءَهُ. أَمَّا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: لَيْسَ كَلَامُهُ إلَّا مَا يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ. فَهَذَا تَعْطِيلٌ لِلْكَلَامِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ كَمَا قَالَ ذَلِكَ قُدَمَاءُ الْجَهْمِيَّة وَهُوَ سَلْبٌ لِلصِّفَاتِ؛ إذْ فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ حَيْثُ أَثْبَتُوا الْكَلَامَ الْمَعْرُوفَ وَنَفَوْا لَوَازِمَهُ - مَا يَظْهَرُ بِهِ أَنَّهُ مِنْ أَفْسَدِ أَقْوَالِ الْعَالَمِينَ بِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا أَنَّهُ يَأْمُرُ وَيُنْهِي؛ وَيُخْبِرُ وَيُبَشِّرُ؛ وَيُنْذِرُ وَيُنَادِي؛ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا: إنَّهُ يُرِيدُ وَيُحِبُّ وَيُبْغِضُ؛ وَيَغْضَبُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُومَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَفِي هَذَا مِنْ مُخَالَفَةِ صَرِيحِ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ هَذَا الْعَالَمِ فَهُمْ أَبْعَدُ عَنْ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ؛ وَلِهَذَا أَنْكَرُوا الْكَلَامَ الْقَائِمَ بِذَاتِهِ وَاَلَّذِي يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ عِنْدَهُمْ إلَّا مَا يَحْدُثُ فِي النُّفُوسِ مِنْ الْمَعْقُولَاتِ والمتخيلات وَهَذَا مَعْنَى تَكْلِيمِهِ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَهُمْ فَعَادَ التَّكْلِيمُ إلَى مُجَرَّدِ عِلْمِ الْمُكَلِّمِ. ثُمَّ إذَا قَالُوا مَعَ ذَلِكَ: إنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ فَلَا عِلْمَ وَلَا إعْلَامَ وَهَذَا غَايَةُ التَّعْطِيلِ وَالنَّقْصِ وَهُمْ لَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ قَطُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute